-A +A
طارق فدعق
بعض من الصفات التي نطلقها على التصرفات تستحق وقفة تأمل. نقول إن فلانا «مريش» لوصف حالة الرخاء التي يتمتع بها. والريش عموما يستحق التفكير لأنه من أغرب المعجزات التي لا نعطيها حقها من الاهتمام. نجده حولنا بكل سهولة لو بحثنا عنه. وللعلم فيقدر عدد الطيور حول العالم بأكثر من 400 بليون، يعني أكثر من 50 طيرا لكل إنسان. وتتفاوت كمية الريش في الطيور المختلفة، فمنها تلك التي تحتوي على حوالي 1000 ريشة لبعض الطيور الصغيرة مثل الطنان، ومنها بعض أنواع الأوز الذي يحتوي على ما قد يصل إلى حوالي 25 ألف ريشة، ومنها الطيور «المنتوفة» التي فقدت ريشها بسبب أو آخر.

ولو سنحت لك الفرصة لمسك ريشة في يدك فستجد مفاجأة في المفارقات العجيبة في خصائصها فهي قوية جدا في تماسكها، وإنشائها، وخصوصا في عامودها المركزي الذي يتكون من بروتين «الكيراتين» وهو المكون الرئيس للقرون، والأظافر للكائنات المختلفة. وفي نفس الوقت، ستجد أن الريشة تتمتع بنعومة عجيبة، وخفة وزن. وسبحان الله أن البعض منها مصمم للعزل الحراري من خلال العديد من القنوات لتكوين تيارات ومصائد للهواء. والنتيجة أنها أفضل العوازل الهوائية في العالم على الإطلاق. والطيور تحتاج لهذا العزل الفعال لأنها كلما صعدت في الارتفاع، انخفضت حرارة الهواء حتى في المناطق الاستوائية. وجدير بالذكر أيضا أن الطيور من الكائنات ذات الدم الحار التي لابد أن تحافظ على درجة حرارة معينة بداخلها للبقاء. ولكن روائع الريش لا تنتهي بخفتها وخصائص عزلها للحرارة، فهناك بعض من أنواعه التي تدعم الطيور إنشائيا، وخصوصا في بعض المناطق التي تتعرض للأحمال الكبيرة على جسم الطير مثل ذيله. وبالرغم أن ذلك الريش لا يتعرض للرفرفة، إلا أنه يتعرض لأحمال كبيرة أثناء حركة الكائن. وأما الريش المكرس للطيران والذي نجده على الأجنحة فهو الأروع على الإطلاق. حتى شكله يوحي لك بوظيفته الأساسية، فهو غير متماثل، أي أن يمينه لا يتطابق مع يساره لأن إحدى أهم خصائصه هي توفير قدرات الرفع على كامل الجناح، وبالذات في الأطراف. وتصميم الريشة تسمح بالفروقات في ضغط الهواء عند حركتها لتتمتع بقوة رفع بإرادة الله. وكلما تعمقنا في التفاصيل سنجد ما يذهلنا: طير البوم مثلا يتميز بالطيران الهادئ جدا للانقضاض على فريسته، وأحد أسراره هو ريشه الناعم الذي يسمح بتخلخل الهواء عبر أجنحته. ومن جانب آخر، نجد أن إحدى روائع طيران الصقور هي سرعتها في الانقضاض السريع جدا. ويسر لها الله عز وجل العديد من الخصائص ومنها الريش الناعم القوي الذي يقلص مقاومة الهواء ويجعل مقدار «زحلقتها» عبر الهواء سريعة جدا. ولا ننسى النسور وطيرانها الشراعي الهادئ الذي يسمح لها بالبقاء لفترات طويلة في الجو بحثا عن رزقها. ونجد أن ريشها الداكن اللون يوفر لها الدفء من خلال امتصاص أشعة الشمس. وأما الطيور الصغيرة فهي قمة النشاط ويتحمل ريشها أحمال الرفرفة المرهقة. وللريش العديد من الخصائص الجميلة الأخرى ومنها مقاومته الرائعة للماء، وحفظه للألوان، ومقاومة بعضه للجراثيم.


أمنيـــــة

سبحان الله أن روائع الخلق حولنا في كل مكان. أتمنى أن نتأمل في إعجاز التصميم الذي من المفروض أن يبهرنا ويذكرنا بالتعلم من دروس التصميم المتميز، وسأتوقف هنا لأنني تعديت عدد كلمات المقال ولا أريد أن يعتقد البعض أن على رأسي ريشة، والله يعين الجميع.

وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي