-A +A
مي خالد
أو «في انتظار جودو».. هذا العنوان البديل هو لمسرحية كتبها المؤلف الكبير صموئيل بيكت، تدور أحداث المسرحية حول رجلين يقفان على أول الطريق بانتظار وصول رجل اسمه جودو. وهذا هو الحدث الوحيد في المسرحية. يبدو الأمر غريبا لمشاهد المسرحية إلا إن كان قد حضر مسرحية صموئيل بيكت الأخرى التي عرضت في أعقاب الحرب العالمية. وحين أصاب الممل جميع الحضور الذين دفعوا من وقتهم ومالهم لحضور المسرحية، فُتح الستار المخملي الأحمر، ليتفاجأ الحضور بأنه لا يوجد أمامهم على خشبة المسرح إلا مقاعد تشبه المقاعد التي يجلسون عليها لكنها فارغة وكأن الكراسي هي من تتفرج في الحضور وليس العكس. هذا نوع من المسرحيات يسمى المسرح العبثي وهو المفضّل عندي. لكن المقالة ليست عن المسرح العبثي وإلا لحكيت لكم أكثر عن المسرح العبثي.

مقالتنا في مديح الانتظار الذي غذّى الفنون والآداب فلا يمكن لأحد يمتدح الانتظار على عكس ما هو متوقع من ذمه ثم ينسى القصيدة الخالدة «في انتظار البرابرة» التي اقُتبست في أكثر من عمل فني وروائي حول العالم وكتبها الشاعر السكندري المصري كفافي أو كفافيس كما ينطقها اليونانيون حيث يعود أصله. في القصيدة يروي الشاعر أحداث يوم عصيب ينتظر فيه الشعب قدوم أسطول الغزاة البرابرة عبر البحر وكيف أخافت الحكومة الشعب من البرابرة فالتفوا حولها وأغلقوا أسوار مدينتهم وكيف اجتمع رجال الدين ليعظوا الناس ويعيدوهم للخالق الذي هو وحده القادر على خلاصهم. وكيف تعامل رجال الشرطة بقسوة مع الشعب تحت ذريعة حمايتهم ومنعوا التجوال في المدينة. لكن المفارقة أن القصيدة تنتهي ولم يصل البرابرة بل ويخبرنا الشاعر أنهم غير موجودين أصلا إلا في أذهان الشعب.


هذا ما جاء في الأدب والشعر عن الانتظار، أما في المستشفيات فيتحول الانتظار لغرفة وليس فقط زمانا ممتدا سرمديا قد يكتب له نهاية وقد لا يكتب. داخل غرف المستشفيات المخصصة للانتظار نرى الإنسان الذي خلقه الله ناقصا هشا لا يطيق الألم والمرض والخوف. نرى الإنسان الذي خُلق عجولا لا يطيق الانتظار.

المستشفيات أكبر دور عبادة في التاريخ. هناك يقف الإنسان دامعا مذعورا ضعيفا ويدعو الله مخلصا لأن أنجاه وأخرجه من هذه الغرفة الباردة فلن يعود لسيرته الأولى أبدا بل سيرعوي ويتواضع وينكسر كما هو الآن بين يدي المرض وتحت رحمة الأطباء.

لكل ما تقدم أعلاه أليس جيدا أن نمدح الانتظار الذي اعتاد الناس على ذمه؟.