-A +A
نجيب يماني
حدثان كبيران وعظيمان شهدتهما المملكة الأسبوع المنصرم، حازا على اهتمام العالم وترقبه، وهما: انعقاد قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورته الـ(39) بالعاصمة الرياض، واحتفالات المملكة العربية السعودية - في اليوم التالي للقمة - بذكرى البيعة الرابعة لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، مقاليد الحكم في هذه البلاد المباركة.

إن هذا التزامن يضمر في ثناياه قيمة اعتبارية كبيرة، مفادها تأكيد التماسك والوحدة والاستقرار على المستويين المحلي والخليجي، ونسف كل التخرصات والتحليلات المضروبة التي تحاول تسويق أجنداتها المغرضة عبر الإيحاء باضطراب الأوضاع، وتفكك منظومة الدول الخليجية، والتظاهر بالتماسك على نحو لا يشي بجوهر الحقيقة، مع الادعاء بوجود «شيء ما» على المستوى الداخلي، يؤشر باتجاه عدم الرضا، وما إلى ذلك من مثل هذه الترهات التي تتولى «النعيق والزعيق» بها بعض القنوات الإعلامية المؤدلجة، وعلى رأسها قناة الفتنة الأولى؛ وأعني قناة «الجزيرة» القطرية..


إن من اليسير والسهل جدًّا دحض كل هذه الافتراءات، والادعاءات الجوفاء، بالنظر في مرآة «القمة» و«البيعة»، فكلا الحدثين الكبيرين نسفا ما يروّج من قواعده، واجتثا لسان الزور والخديعة والبهتان، فعلى مستوى القمة الخليجية، جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين، معمقة من الحرص على الوحدة الخليجية، مذكرًا العالم بهذه الحقيقة الدامغة، في سياق قوله، حفظه الله: «لقد قام مجلس التعاون لدول الخليج العربي من أجل تعزيز الأمن والاستقرار والنماء والازدهار والرفاه لمواطني دول المجلس فهم ثروتنا الأساسية وبهم تتحقق الرؤى والآمال. وأثق أننا جميعاً حريصون على المحافظة على هذا الكيان وتعزيز دوره في الحاضر والمستقبل».

إن هذا التأكيد على حرص المملكة على المحافظة على كيان الدول الخليجية، وثقته لدى الدول الأعضاء في ذات الموقف، لا يتعارض إطلاقًا مع موقف المملكة والمتحالفين معها في ما يتصل بالنظام في دولة قطر، وهو موقف نابع أصلاً من هذا الحرص، ومتجه في أساسه وجوهره للنظام الحاكم في قطر، وليس الشعب القطري، الذي نكن له كل احترام وتقدير، فهذا النظام القابض على أزمَّة الحكم في قطر يقود هذا البلد الشقيق إلى الهاوية، باحتضانه لقادة الإرهاب وزعماء التطرف من «الإخونجية» و«الداعشية»، فضلاً عن دعمه لسياسة نظام الملالي في إيران بما يشكّل تهديدًا واضحًا وصريحًا لكافة دول المنطقة العربية والخليجية، ويتطلّب موقفًا حاسمًا يوقف هذا العبث المتنامي، والخطر المحدق، على نحو ما أشارت إليه كلمة خادم الحرمين، حفظه الله، بشكل مباشر وصريح: «إن منطقتنا تمر بتحديات وتهديدات لا تخفى عليكم، فلا تزال القوى المتطرفة والإرهابية تهدد أمننا الخليجي والعربي المشترك، ولا يزال النظام الإيراني يواصل سياساته العدائية في رعاية تلك القوى والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهذا يتطلب منا جميعًا الحفاظ على مكتسبات دولنا، والعمل مع شركائنا لحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، والإصرار على ضرورة تحقيق الضمانات الكاملة والكافية تجاه برنامج إيران النووي وبرنامجها لتطوير الصواريخ الباليستية».

وتأسيسًا على هذه النظرة الإستراتيجية كان الموقف من «نظام الحمدين» بهذه الصورة من الحزم والعزم، وإن رأى «المحللون» في «تجاهل» خادم الحرمين الشريفين أي إشارة لنظام قطر في كلمته، فإن هذا التغاضي ينسجم مع أمرين مهمين:

أولهما: مستوى التمثيل «الهزيل» لنظام «الحمدين» في القمة، بما أرسل رسالة سلبية بعدم اهتمامه بعقدها وما يطرح فيها، وما تخلص إليه، وهو أمر يضع هذا النظام المارق في خانة الساعي لضرب وحدة الصف الخليجي، وليس غيره، ويكذب ادعاء إعلامه بأن المملكة وحلفاءها من يقومون بذلك، ولو كان هذا صحيحًا لما قدمت الدعوة أصلاً لرأس النظام في قطر. وهو راعي الإرهاب في المنطقة والداعم له فما تراه سيقول وبأي وجهة يؤيد ما جاء في القمة.

وثانيهما: إن موقف المملكة وحلفائها من النظام القطري والأزمة القائمة، قد تمت مباحثته منذ زمن طويل، وصيغت حلوله في المطالب الـ(13)، التي رفعت للنظام القطري، بما يضع الكرة في ملعبه، فهو الوحيد الذي بيده إنهاء هذه الأزمة متى ما أراد، والعودة تائبًا إلى حيث يجب أن يكون، منسجمًا مع الرؤية العربية الموحدة، ومدافعًا عن القضايا التي تهم جميع دول المنطقة بلا استثناء، بعيدًا عن تحريك نوازع الفتنة، وبؤر التطرف والإرهاب.. وطالما بقيت هذه المطالب حبيسة أدراج النظام القطري، فلا طائل ولا معنى لأن تنشغل القمم الخليجية - في تتابع دوراتها المنعقدة - بهذه القضية المحسومة على المستوى الرؤيوي، والمنتظرة للمستوى التنفيذي بيد النظام القطري.

هذا فيما يتصل بالقضية الأبرز لدى دول الخليج العربي، أما قضايا فلسطين واليمن وسوريا، فجاء تأكيد المملكة واضحًا في كلمة الملك سلمان، على مواصلة «المملكة الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية في المحافل الدولية»، وسعيها «لحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة بما في ذلك إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية»، وحرصها على «إنقاذ اليمن وشعبه من فئة انقلبت على شرعيته وعمدت إلى العبث بأمنه واستقراره»، ودعوتها إلى «حل سياسي يُخرج سوريا من أزمتها، ويسهم في قيام حكومة انتقالية تضمن وحدة سورية وخروج القوات الأجنبية والتنظيمات الإرهابية منها»، فضلاً عن «حرص المملكة على بناء علاقات متينة واستراتيجية مع الشقيقة العراق التي تشكل ركناً أساسياً في منظومة الأمن العربي»..

كل هذه المعاني وغيرها عمقتها كلمة خادم الحرمين الشريفين في تلك القمة المهمة، والتي أعقبتها في اليوم التالي ذكرى البيعة، مؤكدة في ثناياها تماسك الجبهة الداخلية بأوثق ما تكون العرى القائمة على المحبة بين القائد المؤتمن، وشعبه الوفي، وهازئة بمروجي الفتنة وحارقي بخور الأمنيات الكواذب، الحالمين بالفتنة في ربوع وطننا الحبيب، والساعين تآمرًا لنثر بذور التطرف والإرهاب، ولكن طالما بقي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، يقود هذا الشعب الأبي، وطالما، بقي ولي عهده الأمين، الأمير محمد بن سلمان عضده وسنده، فلينعم الوطن بأمنه، وليسعد بقيادته، وليستشرف غده المشرق بوعي والتفاف حول قيادته، بما يفرح الصديق، ويغيظ العدو.

* كاتب سعودي