-A +A
عيسى الحليان
من خلال تجربتها الاقتصادية مرت كوريا الجنوبية بثلاث مراحل تنموية، الأولى كانت خلال الفترة 1962م- 1980م وكانت مقومات التنمية آنذاك تقوم على التصنيع، تلتها المرحلة الثانية خلال الفترة ما بين 1981م- 1998م والتي كانت تقوم على اقتصاد كثيف لرأس المال، فيما شهدت المرحلة الثالثة والتي جاءت خلال الفتره 1999م -2010م قيام ونهوض اقتصاد المعرفة.

تحققت التجربة الكورية المتفردة من خلال جملة من الاستراتيجيات التي وضعت من قبل مجلس التخطيط الاقتصادي وهو شبيه بمجلس الاقتصاد والتنمية في المملكة من الناحية الهيكلية، فهو الذي قام بصياغة هذه السياسات ورأس خطط وبرامج التنمية، ولعل من أبرز السياسات التي مكنت كوريا من الوصول إلى هذه المرحلة كانت سياسة التوجه للداخل Inward-looking policy من خلال إعادة بناء وترميم هياكل الاقتصاد التقليدي وتطوير الصناعات التي كانت تشكل فيها كوريا ميزة كالصناعات الثقيلة والكيماوية والبرمجيات وغيرها، إذا علمنا أن الجبال تشكل 80% من أراضي كوريا ولا تمثل المساحة الصالحة للزراعة سوى 19% فقط، وعلى عكس جارتها كوريا الشمالية لا يوجد في كوريا ثروات طبيعية، وبالتالي كان خيارها الوحيد هو الاعتماد على مقدراتها البشرية خصوصاً أنها كانت واحدة من أفقر دول العالم آنذاك، إذ لم يكن دخل الفرد يتعدى 80 دولاراً، وظلت تعاني من دمار شامل على خلفية الغزو الياباني والاختلافات الأيديولوجية التي أدت إلى تقسيم شبه الجزيرة الكورية وقيام الحرب بين الشطرين لاحقا (1950-1953)، والتي ألحقت دماراً واسعاً قدرت خسائرها بـ69 مليار دولار؛ أي ما يعادل خمسة أضعاف ناتجها المحلي آنذاك، حيث دمرت الحرب ربع البنية التحتية للبلاد و40% من الوحدات السكنية و46% من شبكة السكة الحديد و80% من محطات الكهرباء و68% من المصانع، كما خلفت الحرب خسائر بشرية قدرت بـ 1.3 مليون كوري جنوبي ورغم ذلك كله خرجت البلاد من تحت الرماد من خلال جيل واحد فقط، فكيف تحققت هذه المعجزة الحقيقية، ومن دون موارد تذكر، لي عودة على هذا الموضوع!