-A +A
طارق فدعق
هي إحدى أجمل أنواع الطيور، ومفردها «قُمري» بضم القاف، وتجوب السماوات بطيرانها الرشيق، وتمتعنا بتغريداتها الجميلة. ويبدو أن الكلمة مشتقة من القمر بشكل أو بآخر. وأفكر دائما أن الأقمار الصناعية السعودية السابحة في الفضاء هي أقرب للقماري من الأقمار. وخلال هذا الأسبوع تمت إضافة قمرين سعوديين إلى الثلاثة عشر قمرا التي بدأت عملها خلال فترة الثمانية عشرة سنة الماضية، والتي تدور حول كوكبنا مرة كل تسعين دقيقة. وتحديدا فقد تم إطلاق قمري سات 5أ و5ب على صاروخ المسيرة الطويلة The Long March الصيني من قاعدة «جيو غوان» في جمهورية الصين الشعبية ضمن برنامج التعاون الفضائي بين البلدين. ومما لا شك فيه أن هذا من مصادر الفخر والاعتزاز لنا جميعا، فالوجود السعودي في الفضاء الخارجي له العديد من المنافع وأهمها تعزيز الاتصالات، والتصوير الجوي، ودعم التخطيط في المجالات المختلفة. وهناك المزيد، فقد تم تطوير تقنيات القمرين وتصنيعهما بأيادٍ وطنية وباستخدام أحدث التقنيات. وستسمح بمشيئة الله بالتصوير الجوي المتطور جدا الذي يسمح بالتقاط الصور التي لا تراها العيون. والمقصود هنا أن الكاميرات المستخدمة في القماري ستفتح قدرات استشعار أطياف الضوء التي لا نراها بالعين المجردة، ومن خلال ذلك الاستشعار «الكهروضوئي» ستوفر تلك الأقمار بإرادة الله معلومات عن أوضاع تغيرات البيئتين الطبيعية والعمرانية بدقة عالية جدا. ويشمل ذلك تقديرات المخاطر الطبيعية، وبعض من أدق التفاصيل مثل تغيرات التربة، والحياة الفطرية.

وإحدى روائع تقنية القماري هي أحجامها، فسبحان الله عندما بدأ عصر الأقمار الصناعية في الرابع من أكتوبر 1957 عند إطلاق الاتحاد السوفييتي لمركبة «سبوتنك 1» أي الرفيق الصغير لتدور حول الأرض على ارتفاع حوالي مائتي كيلومتر عن سطح الأرض، كان وزنها حوالي ثمانين كيلوجراما فقط، وحجمها يعادل حبحب وادي الدواسر تقريبا. وبعدها جاءت الأقمار الصناعية الأمريكية لتصعد السباق الفضائي لأغراض السلم والحرب. وصعدت الأوزان والأحجام أيضا. وبعض منها كانت أشبه بالدبب. أقمار صناعية تزن آلاف الكيلوجرامات وبأحجام تفوق حجم «اللاند كروزر». وخلال السنوات الماضية عادت الأقمار الذكية إلى الحجم الصغير لدرجة أن بعضا منها أصبح بحجم رغيف «الصامولي»، وأصبحت برامج إطلاق الصواريخ عجيبة، فبعدما كانت الصواريخ الأمريكية والروسية هي المهيمنة على ذلك المجال، أصبحت صواريخ الصين وأوروبا هي الأساس. وأصبح للقطاع الخاص هيبة في هذا النشاط، بل وأصبحت بعض المنصات نفسها غير تقليدية. وعلى سبيل المثال فقد أعلنت شركة «فيرجين» خلال هذا العام عن منصة «فتاة الكون» Cosmic Girl وهي عبارة عن طائرة من طراز بوينج 747 كانت عاملة على خطوط طيران الشركة لمدة سنوات. وتم تطويرها لتحمل صاروخا محملا بحمولة «متروسة» بالأقمار الصناعية. ويتم تثبيت الصاروخ تحت أحد جناحي البوينج وحمله إلى ارتفاعات شاهقة ثم إطلاقه. والميزة الرائعة هنا هي الاستغناء شبه التام عن المحطات الأرضية بتعقيداتها، كما يمكن إطلاق الصاروخ من مواقع مختلفة حسب الاحتياج، ففي معظم الحالات يفضل إطلاق الصواريخ من المواقع القريبة من خط الاستواء «لتنزقل» بسرعة أعلى لأن سرعة التفاف الكرة الأرضية حول نفسها أسرع عند خط الاستواء وتنخفض كلما بعدنا عنه. ولذا فتجد قواعد إطلاق الصواريخ حول العالم في المواقع الجنوبية.


أمنيـــــة

أتمنى أن نرى قريبا عشرات «القماري» السعودية في الفضاء في مدارات مختلفة، ولاستخداماتها المختلفة: للاتصالات، والتصوير، والاستشعار عن بعد، والاستخدامات الدفاعية، والتجارب العلمية، ونشر شبكات الإنترنت. وأختتم بالمقولة الجميلة: «لنا أرضنا وفضاؤنا» بمشيئة الله،

وهو من وراء القصد.

*كاتب سعودي