-A +A
صدقة يحيى فاضل
كتب مؤخرا الصديق الأستاذ المستشار أسامة يماني مقالا في هذه الصحيفة (عكاظ: العدد 19060، 2/‏11/‏2018م) بعنوان: «بدلا من إسرائيل الكبرى». لم يوضح لنا سعادته، ومن قال إنه بادر بالحديث إليه (الأستاذ سهيل خزندار) ما هو «البديل» لإسرائيل الكبرى، التي يسعى المخطط الصهيوني - الاستعماري لإقامتها بالمنطقة. وكأني فهمت أن المبادر بالحديث يرى أنه: لم تعد هناك قضية فلسطينية! وتساءل: «لماذا لا يطرح العرب فكرة قيام كونفدرالية، تشمل الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة، لنكون نموذجا إنسانيا فريدا، يسعى للتكامل بدلا من التناحر، وللبناء بدلا من الهدم والدمار، وبدلا من إسرائيل الكبرى، التي سيطالب بها جيران إسرائيل»...؟! لم أفهم القصد من كل ذلك، وخاصة العبارة العجيبة الأخيرة. أستغرب أن جيران إسرائيل سيطالبون بقيام «إسرائيل الكبرى». هل تهود وتصهين هؤلاء الجيران؟! لا أدري.

أما إنشاء «كونفدرالية» من كل من الجولان والضفة الغربية وغزة، وربما إسرائيل، فهي فكرة غريبة، ليس فيها -في رأيي- أي قدر من المبادرة والإبداع الإيجابي. فالجولان جزء من سوريا. أما الضفة والقطاع فهما فلسطينيان بحكم الجغرافيا والتاريخ والمصير المشترك. ثم أليس من الأولى أن تقام أولا كونفدرالية عربية، أو حتى خليجية؟! وهل تقبل إسرائيل بقيام هذا الاتحاد الكونفدرالي؟! لا حل، أيها السادة، إلا بإرغام إسرائيل على إيفاء متطلبات السلام. أما التطبيع المجاني فسيكون وبالا على الأمة العربية، وسيجعلها تندم، أشد الندم، على كل خطوة تخطوها في هذا الطريق... طريق الانحطاط والهلاك.


***

نعم، يشن الصهاينة، من حين لآخر، حملات إرهابية ضد أهل الأرض الأصليين (الفلسطينيين) مستهدفين البشر والأرض، والمقدسات... ويستخدم في هذه الحملات كل ما للصهاينة من شراسة، وأسلحة فتاكة، ضد شعب أعزل... يدافع عن نفسه وأرضه ودينه وأمته. وهذا الاحتلال الإرهابي يعود إلى السطح، وبقوة، كلما تمادى في طغيانه... ويستأثر بحيز من الاهتمام العربي والعالمي، كلما صعد من عدوانه. فيحرج المتصهينين وأنصاره، ويوقظ التساؤلات الكبرى بشأنه. ومن ضمن ما يثيره التساؤل: أما من نهاية لهذه المأساة، أما من حل...؟!

إن إسرائيل تثبت في كل يوم أن لها مشروعا يستهدف، في المدى الطويل، رأس العروبة والإسلام الصحيح، ولا يهدف لابتلاع فلسطين وحسب. ولعل أكبر ما يعيق نجاح مشروعها هذا هو: قيام دولة فلسطينية مستقلة على جزء من أرض فلسطين. قيام هذه الدولة سيقي الأمة من معظم شرور الصهاينة. لذلك، ترفض إسرائيل بشدة قيام هذه الدولة. وتعمل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على الالتفاف على المبادرات العديدة الرامية لوضع حل سلمي، وإنهاء مأساة الشعب الفلسطيني، وتواصل تمييعها... والمضي قدما في خططها الرامية للاستيلاء على كامل فلسطين، عبر الاستيطان وغيره، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه في وطنه، متبعة أسلوب المماطلة الصهيونية المعروف، لكسب الوقت، ومن ثم وأد تلك المبادرات.

ولكن، هناك مبادرتان دوليتان متشابهتان لم تستطع إسرائيل وأدهما كغيرهما، رغم أنها أعلنت رفضها لهما مرارا وتكرارا، ورغم قبول الفلسطينيين والعرب بهما. ولكن قوى نزيهة في المجتمع الدولي تصر على دعم المبادرة الدولية «الأممية» التي تسمى بـ«حل الدولتين»، وإلزام إسرائيل بها. وإسرائيل تستقوي بداعميها، وفي مقدمتهم أمريكا، لرفضها. وقد سلطنا الضوء، في مقالات سابقة، على هذه الحلول المطروحة، لإنهاء مأساة الشعب الفلسطيني.

***

وبينما تتمسك القيادة الفلسطينية بـ«حل الدولتين»، فإن هذه القيادة أعلنت وبصراحة، أنها لا تمانع في قبول «حل الدولة الواحدة»... شريطة أن تكون هناك مساواة بين كل مواطنيها، سواء كانوا يهودا أو فلسطينيين. ولكن إسرائيل، وبخاصة اليمين الإسرائيلي، ترفض بشدة حل الدولة الواحدة المساوية فيما بين مواطنيها في الحقوق والواجبات... مما يؤكد «عنصرية» إسرائيل، وإصرارها على أن تكون دولة لليهود فقط... لا يسمح فيها لغير الصهاينة بالإقامة، إلا كمواطنين من الدرجة الدنيا. وتم تقنين هذه التفرقة مؤخرا. وذلك يكشف وجه إسرائيل القبيح، ويؤكد عدوانيتها، وعنصريتها المقيتة. كما ترفض إسرائيل مبادرة السلام العربية، وكذلك «حل الدولتين» الأممية... لأن كلا منهما تستوجب قيام دولة فلسطينية مستقلة، جنبا إلى جنب مع إسرائيل. ومع ذلك، تبقى المبادرتان، المتشابهتان لأكبر حد، مطروحتين في الساحتين الإقليمية والعالمية... كحل شبه عادل لهذه المأساة، الناجمة عن عدوان صهيوني صارخ.

***

وللالتفاف على هذه المبادرات والحلول السلمية المقترحة، قدمت إسرائيل حلا... يتمثل في: احتفاظ إسرائيل بكامل فلسطين، أرضا وسكانا... مع إقامة «كانتونات» (تسميها «إمارات») فلسطينية متناثرة في الضفة الغربية وغزة، يقيم الفلسطينيون في كل منها... دون رابط قومي ووطني واحد... وبحيث يسمح لكل كانتون بممارسة الحكم المحلي على أرضه...! وهذا «الحل» يذكر بدولة «جنوب أفريقيا» العنصرية سيئة الذكر. وهي الدولة الهالكة التي اندثرت، وزالت إلى غير رجعة... تحت أقدام المقاومة الأفريقية والدولية النزيهة. والفلسطينيون، والغالبية الساحقة من العرب، ترفض -بالطبع- حل الدولة ذات الكانتونات العنصرية. والعجيب أن إسرائيل لا تخجل من اقتراح هذا الحل الذي ينم عن عدوانية حاقدة وعنصرية بالية، وإصرار على عدم إعطاء الفلسطينيين الحد الأدنى من حقوقهم المشروعة، التي سلبتها إسرائيل.

علمنا الزمن أنه لن يضيع حق وراءه مطالب، وإنما تؤخذ الدنيا غلابا. المجتمع الدولي يحتاج لضغوط عربية صادقة كي يستجيب، ويضغط على إسرائيل لتنفذ ما تقرر دوليا. الأفضل أن تمارس هذه الضغوط العربية، التي لن تكلف العرب كثيرا. فقط شيء من الإصرار على الحقوق، وحفظ الكرامة. الأفضل، والأكرم، للأمة أن تنتظر 70 سنة أخرى لتأخذ حقوقها، بدلا من أن تتنازل الآن تنازلا مهينا عن حقوق مشروعة، لعدو يعتبر التنازل (التطبيع المجاني) خطوة... تمهد للهيمنة ولتنازلات قادمة، أخطر وأفدح.

* كاتب سعودي