-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
اعتاد المجتمع النظر إلى المتقاعد على أنه أصبح ناضب الجهد والعطاء، وعليه أن يرتاح ويدبر حياته ويديرها مع دوامة الخمول وانحسار أجواء العمل والزمالة، لذلك تكثر الدراسات والنصائح حول ذلك، لكن نادرا ما نسمع أو نرى مبادرة عن إمكانية الاستفادة الحقيقية من المتقاعدين خاصة ذوي الخبرة والتخصص، ومنهم كثيرون في مجالات شتى سواء من تقاعدوا عن العمل الحكومي أو القطاعات الأهلية.

أيضا معاناة هذه الشريحة كبيرة مع غياب منظومة رعاية وخدمات صحية واجتماعية يستحقونها كما تفعل الكثير من الدول التي بلغت بحياة المتقاعدين وكبار السن عامة حد الرفاهية في الحقوق، وتراهم الأكثر تريضا وتنزها ومشاركة في العمل العام لخدمة مجتمعهم الواسع، ومزايا في الخدمات، إلى حد أن في اليابان مثلا خصصوا شارعا رئيسيا لكبار السن لا يسمح فيه بدخول السيارات فيه لضمان الراحة والسلامة.


نحن نتحدث عن 835 ألف متقاعد في المملكة حسب تقرير مؤسسة التقاعد لعام 2017م، وهو رقم كبير يرطب حياة المجتمع والأسر بخبراتهم الحياتية، ولا يجب أن تكون الحياة عبئا عليهم، ومن شأن استثمار أعداد من هذه الشريحة الحفاظ على حيوية المجتمع جنبا إلى جنب مع أجيال الشباب. فالاهتمام بالمتقاعدين وكبار السن أمر إيجابي بعد سنوات عمل الطويلة أفنوا خلالها زهرة شبابهم وحياتهم وامتلكوا خبرات كبيرة، لا تكون قيمتها فقط بالراتب التقاعدي الذي تتناقص قيمته دون زيادة خاصة مع ارتفاع أعباء الحياة من غلاء وفواتير ونفقات علاج، وكيف يحلم بامتلاك مسكن، ومنهم من لا يزال يعول أبناء وبنات ومستأجرا لشقة، وراتبه التقاعدي لا يسمن ولا يغني من جوع.

يا أهل الرأي والحل في مجلس الشورى والوزارات المعنية بالصحة والعمل والتنمية الاجتماعية والمالية وقطاع الأعمال: ألا تحتاج شرائح المتقاعدين إلى برامج رعاية صحية لا نقول مجانية إنما تراعي حق المتقاعد وظروفه المالية التي يقع تحت ضغوطها إجباريا بما تبقى من راتبه بعد التقاعد، مثل العديد من الدول التي توفر لمن بلغوا الـ60 وأكثر تخفيضا في تكاليف الرعاية الصحية، ويفعلون ذلك حتى مع الزائر، فهكذا هم يبذلون التراحم ليس عطفا إنما تقديرا وبالقانون. ألا يستحق المتقاعد مزايا تكريمية من خدمات وتخفيض في تذاكر السفر والتنقل.

تمضي السنوات وما زلنا نلوك الحديث والأماني لراحة المتقاعدين وإمكانية الاستفادة من خبرات المتخصصين كمستشارين مثلا، ففي القطاعات الحكومية خبرات تتقاعد، وفي الجامعات وكلاء وعمداء وأساتذة تقاعدوا وهم لا يزالون في ذروة عطائهم، وكثير من المتقاعدين يمكنهم المشاركة في التنمية، ومن يرغب منهم في الأعمال التطوعية لخدمة وتوعية المجتمع، خاصة أن رؤية 2030 أكدت على المجتمع الحيوي وتحسين الصحة العامة للفرد إلى فوق الـ80 عاما، فكيف السبيل إلى ذلك للمتقاعدين ومنهم من يحتاج لعمل يعينه، وآخرون يحزنهم مصير خبراتهم بالتقاعد دون فائدة لهم ولمجتمعهم.

نحتاج إلى تفعيل اقتصاد التقاعد لاستثمار مخزون الخبرات المتخصصة، وفي نفس الوقت تصحيح أنظمة قديمة لم تعد تناسب تغيرات الحياة التي اتسعت فيها قطاعات العمل، والسن القانوني للتقاعد لا يعني نهاية العطاء والجهد، وهذه الشريحة بحاجة حقا إلى إعادة نظر في رواتبها التقاعدية ومبادرات تعينهم وتحسن حياتهم والاستفادة من خبراتهم.

* كاتب سعودي