-A +A
محمد آل سلطان
في مقالي الأسبوع الماضي عن «حلقة الإعلام من الأضعف إلى الأقوى» ختمت مقالي بأن منتقدي الإعلام السعودي ينتقدونه من زاوية عدم تكافئه مع القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية والروحية للمملكة العربية السعودية التي حظيت بنفوذ كبير في دوائر صنع القرار العالمي وركزت جهودها على التأثير والتعويل فقط على مواقف الحكومات وإن كان هذا صحيحا في مجمله إلا أنه ليس صحيحاً على إطلاقه مع تبدل وتغير مفهوم الإعلام وأدواته الأحدث ليكون إحدى أهم الوسائل وأشدها تأثيراً في حروب الجيل الرابع وارتداداتها على الرأي العام المحلي والعالمي !

من هذه الزاوية أستطيع أن أشبه إمكانيات الإعلام السعودي الفنية والبشرية بمحرك سيارة «مرسيدس مايباخ» 12 سلندر وضعت على هيكل «فلوكس واجن» 3 سلندر! فلا الإعلام وعمليات التواصل داخلياً وعالمياً قادرة على السير بالطاقة الكامنة فيه بأحصنة وسرعة 12 سلندر ولا بالطبع يرضينا السير بما يتوافق مع الهيكل الخارجي للفلوكس واجن الصغيرة، ولذلك نجد أن كل أصول الإعلام السعودي المرئي والمسموع والمقروء يبلي حسناً ولكنه يستطيع بسهولة أن يضاعف طاقته 4 مرات على الأقل بفضل أنه ينتمي في الأساس لدولة مؤثرة يهتم العالم بكل تفاصيل أحداثها الصغيرة، وبفضل ما لديه من موارد بشرية ومادية وإمكانيات فنية تحتاج فقط إلى التخطيط والدعم والتوجيه السليم..


وسأضرب هنا مثالين، الأول: كيف يستطيع الإعلام السعودي -متى ما أراد ودعم- الانطلاق ببعض طاقته الكامنة من الداخل للخارج بأسلوب حافظ فيه على تقديم المحتوى المتنوع وتسويقه بأحدث الوسائل الإعلامية حرفاً وصوتاً وصورة وبكل اللغات الحية وهو ما يحدث عادة من تركيز الجهد والطاقة الإعلامية الكامنة في «موسم الحج» حيث يتجلى التكامل بين كل القطاعات المسؤولة والإعلام في تحويل ضخ البيانات إلى معلومات شيقة ومفهومة ترسم صورة هي الأجمل طوال السنة عن السعودية بعظمتها وإنسانيتها ومكانتها للعالم أجمع. والسؤال ماذا لو تحول هذا العمل الإعلامي الضخم من عمل مؤقت في أيام معدودة إلى عمل والتزام دائم طوال أيام السنة ؟!

والمثال الثاني: ما حدث في وسائل التواصل الاجتماعي منذ سنتين تقريباً وتحديداً «تويتر» بوصفها المنصة الأشهر التي يستخدمها السعوديون وبدقة أكثر منذ صدور نظام الجرائم الإلكترونية وتحويل «تويتر» من منصة كانت وسيلة هدم وفرقة وإحباط وتشويه للسعودية وقراراتها وسياساتها وإثارة الرأي العام ضدها في الداخل والخارج ضخت فيها الدويلة «قطر» استثمارات بمليارات الدولارات لسنوات طويلة من خلال الاستعانة بمراكز ودراسات فكرية متخصصة فقط في الشأن السعودي ومعادية له من الأصل ومستعينة بكل التنظيمات والخلايا الإرهابية لحزب الإخوان المسلمين ولليسار الغربي حتى وصل المال القطري السائب إلى أعتى مؤسسات الإعلام الغربي كرشاوى تحت الطاولة تقدم عن طريق استثمارات إعلامية من فوق الطاولة !

حيث استطاع السعوديون وببساطة يحسدون عليها في «تويتر» من هدم وصد كثير من الحملات الظالمة الموجهة باستثمارات غزيرة التكلفة وطويلة الأمد ذهبت كلها مع الريح بفضل الموارد البشرية الوطنية والطاقة السعودية الإعلامية الكامنة التي دافعت عن وطنها في أعتى الأزمات وبكل اللغات مثيرة إعجاب وحسد حتى أعدائها.

ليس المطلوب من الإعلام السعودي أو أي إعلام آخر أن يزيل صورة ذهنية في الرأي العام عن السعودية حكومة وشعباً تكد في بنائها مراكز محترفة يدعمها مال سائب من أعداء المملكة الأصيلين أو المشترين، بل المطلوب ألا نرضخ ويتم «قولبتنا وتنميطنا» في وسائل الرأي العام، وأن يكون لنا وبقوة صورة ذهنية موازية في الجانب الآخر من الرأي العام داخلياً وخارجياً تبني صورة السعودية كدولة قوية ومؤثرة وذات مشروع تنموي يمنح الفرص لأبنائه وللآخرين ويشكل محور السلام والازدهار في المنطقة والعالم من خلال مرتكزاتها الثلاثة كقلب للعالم العربي والإسلامي وقوة استثمارية رائدة وموقع إستراتيجي بين القارات الثلاث.

وحتى نحسن بناء هذه الصورة الذهنية العادلة للمملكة العربية السعودية علينا أن نعيد إستراتيجيتنا على مستوى حرية الإعلام وشفافية المعلومات وإعادة إنتاج المحتوى اللائق وتكامل كل منصاتنا وأجهزتنا الإعلامية وإزالة الفرضيات والشائعات الخاطئة عنا أو موازاتها بالحقائق بكل اللغات ...الخ لتعبيد الطريق أمام تحول إعلامي يطلق الطاقة الكامنة والجبارة لقضايا السعودية العادلة بعيداً عن الدعاية الممجوجة والجهود المؤقتة والمتفرقة وهذا ما سنتناول بعضه في مقالنا القادم إن كنا من الأحياء.

* كاتب سعودي