-A +A
عيسى الحليان
التصنيف الذي أعدته وكالة «رويترز» حول أفضل مائة جامعة مبتكرة حول العالم (2018) مر مرور الكرام على المجتمع التعليمي العربي ونظيره الاقتصادي، والذي غالباً ما يكون هو المستهدف بمثل هذه الابتكارات والمبادرات المعرفية وما يترتب عليها من ريادة في مجال المال والأعمال، وبإلقاء نظرة فاحصة على مكونات هذا التصنيف الجديد سرعان ما تدرك أن كل جامعة قد احتلت موقعها المناسب واللائق بها والذي يتساوق مع الدورة المعرفية لهذه الجامعات مع مجتمعاتها الحاضنة ودرجة تناغمها، وبالتالي لم يكن التقدم الذي أحرزته الجامعات الكورية في مجال ريادة الابتكار على سبيل المثال قد جاء من باب المصادفة، فإذا صرفنا النظر عن الجامعات الأمريكية التي احتلت 45% من مقاعد هذه القائمة نجد أن نصيب كوريا الجنوبية كان بواقع 8 جامعات سبقتها كل من اليابان وألمانيا فقط بواقع 9 جامعات، فيما تفوقت على جامعات دول متقدمة مثل بريطانيا وفرنسا وبقية دول أوروبا.

هذه البلاد التي خرجت من رماد الحرب الكورية في وضع اقتصادي مأساوي لا تحسد عليه وظلت تعاني لسنوات من مظاهر الفقر والعوز استطاعت أن تقلب المعادلة خلال جيل واحد فقط، بعد سلسلة من الحقب التنموية (ثلاث) والتي مرت بها بنجاح، وكلها بالمناسبة كانت من خلال بوابة التعليم، فكوريا تصنف اليوم بأنها ثاني أكبر مخّرج للتعليم الجامعي في العالم، بنسبه 55% مقارنة بـ 44% في الولايات المتحدة، لكن الفارق هنا أن 38% من خريجي هذه الجامعات الكورية ينخرطون في تخصصات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات!!


كل الذين زاروا كوريا أو اطلعوا على تجربتها المتفردة عن كثب، يدركون أن نظامها التعليمي كان يشكل رأس الحربة في معركتها مع التنمية والاقتصاد المعرفي والتي حققت معه الريادة الكاملة في مجال الابتكار والمبادرات المعرفية التي تقودها الجامعات الكورية بكل اقتدار من خلال تطبيقات تقنية معاصرة لتضع أقدامها بقوة وثبات على أعتاب الثورة الصناعية الرابعة ولتحتل هذه الدولة ذات المقومات الاقتصادية الضعيفة مركزها المتقدم في قائمة العشرين باقتصاد معرفي عالي القيمة الرأسمالية بأسعار اليوم تقوم رافعاته على مثل هذه المؤسسات التعليمية الرائدة دون غيرها.