-A +A
طارق فدعق
معنى الكلمة هي الالتهام الكامل. وقد اكتشفت ببعض من الخجل أنني أكلت ديناصورا اليوم. وتحديدا فقد استمتعت بمرمشة نصفه. وخلال هذا العام مرمشت حوالى درزن ديناصورات، وكانت كلها في منتهى الروعة. والديناصور الذي أقصد هنا هو الدجاج، فسلالة هذه الطيور تنحدر من الكائنات المخيفة التي روعتنا صغارا. وبالمناسبة، فكلمة ديناصور معناها «الوزغة المفترسة».. يعني تخيل وزغة، وكمان مفترسة.. قمة الاشمئزاز. والدجاج ينحدر من فصائل مخيفة من الديناصورات، مع العلم أن العديد من تلك المخلوقات التاريخية كانت وديعة.. يأكلون النباتات، ولا يضايقون أحدا. وأما أجداد الدجاجة فهم على رأس هرم العنف والأذية، ومنها فصيلة «الفيلوسي رابتور» Velociraptor الصغيرة نسبيا.. بحجم التيس الكبير، ولكنها كانت شرسة وتنقض على فرائسها بمجموعات أشبه بالعصابات المبرمجة للقتل. وكانت آلية قتل فرائسها بشعة، فالغالب أنها كانت تستخدم التقطيع باستخدام أظافرها الطويلة الأشبه بالخناجر الحادة. ومن أجداد الدجاجة أيضا ديناصور «التي ركس» T Rex وكان إمبراطور الأذية في الغابات. وكان يعاني من حالة كشرة مزمنة هجومية للقتل بسبب أو بدون سبب. وحتى شكله كان يدل على نواياه العدوانية، وعلى «خنزرته» الدائمة، فكان «مبرطما» برطمة عجيبة، وكان «كشريا»، ومفترسا، ومؤذيا في آن واحد.. ونسأل الله السلامة. والحمد لله أن هذه الكائنات انقرضت منذ فترة زمنية طويلة، والشكر لله أن سلالتها بعيدة كل البعد عن تلك السلوكيات المؤذية، ولكن بصراحة، حتى وإن حاولت الدجاجة أن تخطط للأذية، فلن تستطيع أن تنفذ ما تريد، لأن من ألطاف الرحمن هو أن حجمها صغير، وهذه من ألطاف الله التي لا تعد ولا تحصى.

وقد تم اكتشاف العلاقة بين الديناصورات والطيور بسبب عدة أدلة علمية قبل فترة حوالى 15 سنة فقط في مكانين في آن واحد، في ولاية مونتانا الأمريكية وفي الصحراء الشمالية الشرقية في الصين. وتم تأكيد موضوع السلالة بمصداقية من خلال تحليل البروتينات المثبتة في عظام بقايا بعض الديناصورات في الولايات المتحدة. وأما في الصين فكانت الأدلة القاطعة من خلال الأبحاث الجيولوجية واقتران بقايا الديناصورات بالريش. وكان الاعتقاد في السابق أن الديناصورات كانت تأكل الطيور، وكإحدى الأدلة أن بقايا رفاتها المحفورة على الصخر وجدت مغمورة بكميات كبيرة من الريش. ولكن بعد فترة تم الإثبات علميا بأن معظم الريش كان جزءا من الديناصورات.. وكانت المفاجأة الكبرى هي ربط الشفرة الوراثية «دي إن أيه» من الديناصورات بتلك التي تجدها في الدجاج الذي نستمتع بأكله حول العالم.


أمنيــــة

يقدر عدد الدجاج في العالم بحوالى 22 ألف مليون دجاجة أي نحو 3 لكل إنسان. أتمنى أن نحمد الله على أننا قادرون على مرمشتها وليس العكس، لأن تاريخ سلالتها يحتوي على نزعات عدوانية مخيفة. وبالنسبة لي شخصيا، فسأستمر في الحمد والشكر لله على الاستمتاع والاستفادة من أكل هذه الطيور الرائعة اللذيذة. وبين كل حين وآخر يراودني الفكر أنها قد تفكر في مرمشتي. والله أعلم.

وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي