-A +A
وفاء الرشيد
«فيا حجرَ الشحذ حتى متى

تسنُّ الحديدَ ولا تقطعُ؟»


بعض البشر مثل حجر الشحذ يسن السكاكين والأمواس والحديد ولا يقطع، هكذا هم بعض المفكرين والشيوخ يدلون الناس على أبواب الجنة وهم قاعدون في مكانهم، فهم أخذوا من الدين طقوسه ومراسيمه دون أن يعرفوا جوهره...

الجهل الْيَوْمَ خير من علم كثير من بعض علماء العصر، لأن العلم الذي لا يؤدي إلى عمل وإلى معرفة الحق والصدع به في تعبد الله سيكون لعنة عليك في آخرتك، فليس كل علامة علامة وليس كل شيخ شيخا، فكل شيء زائل، فقد رحل رسل من قبلنا ولَم يبق إلا مال الله وما عند الله...

في كتاب «المنقذ من الظلام» يُذكر أن أبا حامد الغزالي -كاتبه- مر بمرحلة من القلق العظيم حيث كان في حالة أشبه ما تكون بحالة الاكتئاب، حالة عقدت لسانه عن التدريس بالكلية وأصابته بكثير من التردد والقلق لمدة ستة أشهر لم يعد فيها قادراً على أن يتكلم في العلم حتى لو مجاملةً لمن كان يحضر دروسه... لم يعد يستطيع أن يجاري ما هو ومن هم حوله... لم يكن أبو حامد الغزالي في تلك المرحلة راضيا عن أحواله بالكامل وأيقن حينها أنه إذا استمر على حاله فهو هالك لا محالة، فكانت هي الشعرة التي قصمت ظهر البعير وجعلت من حاله أن ينقلب رأسا على عقب.

قام الليل شيخنا الغزالي ودعا الله أن يخرجه من همه، وأيقن أنه يجب أن يطلق الدنيا ويزهد بما فيها فخلع اللباس وفرق الأموال وأبقى شيئا بسيطا فقط ليعيش به هو وأهله... وانطلق سائحاً بالأرض واتجه إلى الحج ثم انطلق إلى دمشق ولبث فيها أيّاما وعندما أحس أن الناس بدأت تتعرف عليه غادرها إلى بيت المقدس واعتكف تحت قبة الصخرة يدعو ربه ويتفكر بالدنيا ليعود بعدها إلى بلاد الشام ليجلس عند أبواب المساجد والزوايا بين نعل من يدخل ويخرج ليذل نفسه ويروضها... حتى بذات يوم جاء رجل ولزم عليه بالدخول إلى داخل الزاوية وأصبح يعمل على الكنس والتنظيف داخل المسجد دون أن يعرف من هم حوله أنه العلامة أبو حامد الغزالي... وفِي يوم كان رجل يسأل المسجد عن أمر ولَم يجد جوابا من شيوخه وألح بالسؤال وقالوا له لا نعرف، فتعصب وخرج مهرولاً ليلحق به الغزالي وتبرع بجوابه عن الفتوى فضحك الرجل بأن يكون هذا الكناس يعرف الجواب ولَم يعرف مفكرو المسجد ذلك.. فعاد لهم وأخبرهم أن الكناس قال له ما قال مما لفت نظرهم إلى عمق التفسير والفكر وتعرفوا عليه ليقولوا له لا يفكك ذلك إلا الغزالي فأنت الغزالي... خاف أن يتكشف أمره وهرب مرة ثانية إلى بقعة أخرى ليختفي عشر سنوات لا يعرف أحد أرضا له، عشر سنوات وهو في عزلة كاملة ترك فيها الدنيا وأهله في سبيل أن يعرف الله...

الدعاء والكلام لا يصلك إلى الله... من يعتقد ذلك فهو محروم... فالمعرفة غير العلم... العلم شيء والمعرفة شيء آخر، فالمعرفة طور وراء طور العلم... هي التحقق بصدق ما عُلم وبشكل فردي بتجربة نتقن من خلالها أن الله على كل شيء قدير بعدما علم...

كلنا مسلمون وكلنا موحدون ولكن البعض منا لم يعرف الله، يقرأ القرآن ويصلي ويصوم ويبكي أحياناً ويداوم على المسجد ولكنه في حال لهو عجيب يكذب ويغتال ويحقد ويحسد ويغش ويزني ويلعب الميسر دون أي تعظيم حقيقي لله وعرفان...

فهل تعرف الله؟

* كاتبة سعودية

WwaaffaaA@