-A +A
هاني الظاهري
كثيراً تحدث المهتمون بالإعلام عن نهاية عصر الورق بإسهاب لكنهم تناسوا أن الإنترنت كوسيلة اتصال ونقل محتوى هو في الواقع طوفان كبير لم يتوقف تأثيره على الصحف الورقية بل ضرب كل الوسائل التقليدية لنقل المحتوى ومنها طريقة بث الفضائيات عبر الستالايت (طريقة الاستقبال باستخدام الصحن اللاقط والرسيفر). فكما أن ربط الصحف نفسها ووجودها بالورق كان خطأ إستراتيجيا باعتبارها مؤسسات صناعة محتوى ويمكنها التكيف مع المعطيات وإيصال محتواها بوسائل حديثة فإن ربط الفضائيات وجودها بالبث عبر الأقمار الصناعية خطأ كبير أيضا فالتقنية تجاوزت ذلك وأصبح النت الطريقة الأكثر شعبية والأقل كلفة لصانع المحتوى ومستقبليه.

خلال السنوات القليلة الماضية ظهرت الشاشات الذكية وأجهزة الكروم كاست التي تربط جهاز الموبايل بالشاشة، ومع ظهور تطبيقات البث التلفزيوني عبر أجهزة الموبايل (وبعضها غير شرعي إذ يضم كل قنوات العالم تقريبا حتى المدفوعة منها) يمكننا قراءة الفاتحة على حقبة الستالايت.


شخصيا تخلصت منذ عامين من الدش والرسيفر، فثقافة الديجتال اكتسحت لأنها أكثر ديناميكية بل وأصبحت أدفع اشتراكا شهريا لشبكات بث أفلام عبر النت بكل سرور ولايمكنني أن أتصور اليوم كيف يقضي شخص وقتا طويلا في الانتقال من قناة لقناة عبر الريموت بحثا عن ما يمكن أن يتابعه..

وفر البث عبر النت خيارات أسهل للمشاهد، فقد كسر حاجز الوقت إذ لم يعد مطلوبا من الشخص أن ينتظر وقت بث حلقة المسلسل أو البرنامج الذي يحبه أمام الشاشة وإلا سيفوته ذلك.. بل أصبح بإمكانه المشاهدة في أي وقت.. وإعادة المشاهدة أيضا متى ما رغب.. أصبح المشاهد هو المتحكم في منصة البث وليس العكس.

وفر الديجتال أيضا خيارات واسعة من المحتوى المتنوع وبتكلفة أقل وهذا أمر صعّب مهمة الفضائيات كثيرا بل جعل بعضها يلجأ لاستقطاب مشاهير المنصات الرقمية مثل يوتيوب وسناب شات لكنهم سرعان ما يفشلون على الشاشة الفضية لأن الشريحة التي تتابع البث التلفزيوني مختلفة، ولأن نجاحهم السابق أصلا مرتبط بوقت المشاهد وأدواته لا العكس (وهو ما نسميه ثقافة الديجتال).

على مستوى الربحية من يصدق أن القيمة السوقية لتطبيق نتفليكس الذي لا يقدم سوى أفلام ومسلسلات بلغت نحو 100 مليار دولار وأن عدد مشتركيه بلغ نحو 120 مليون مشترك.. وإذا قررنا مقارنة هذه الأرقام بأرقام الفضائيات العربية المتخصصة بالأفلام فقد نضطر إلى أن نعيد صياغة معنى الربحية.

المؤسف أننا في العالم العربي لا نركب القطار إلا بعد فوات الأوان فلدينا فضائيات متميزة في الإنتاج والمحتوى لكنها متأخرة تقنيا لدرجة أنه يمكنك أن تعد على أصابع اليد الواحدة عدد الفضائيات العربية التي تملك منصات بث مباشر عبر يوتيوب على سبيل المثال؛ لدى مجموعة mbc الرائدة تجربة في الديجتال عبر موقع شاهد لكنها لم تنل النجاح المطلوب لضعف الأدوات فالموقع ثقيل ومصمم بشكل غير عملي ويخلط كل المحتوى في قالب واحد ولو اعتمد طريقة تطبيقي نتفليكس وستارز بلاي في تحديد التخصص والديناميكية لنجح نجاحا مذهلا.

مؤسف أيضا أن لدينا في الخليج والعالم العربي ثقافة إعادة ابتكار العجلة وتعلق غريب بالماضي وأدواته فعندما قررت هيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية على سبيل المثال إطلاق مشروع SBC فكرت بطريقة إعادة ابتكار mbc ولذلك لم تحقق الأهداف المرجوة حسب رأيي رغم كل الجهود والمصاريف.

المعلن الذي يضخ أمواله لتحقيق الأرباح شد الرحال إلى الديجتال الذي وفر له خيارات الاستهداف بشكل دقيق وعملي وإذا عرفنا أن الإعلان هو العمود الفقري لضخ السيولة في المؤسسات الإعلامية فيمكننا فهم ما ينبغي أن تقوم به هذه المؤسسات دون تردد اليوم.

إجمالا يجب أن تعمل الفضائيات بأسرع ما يمكن على فك الارتباط بثقافة الستالايت واللحاق بقطار الديجتال وأن تفهم أنها مؤسسات صناعة محتوى وأما وسائل إيصاله فكثيرة ومتجددة وكما انقرضت أشرطة الكاسيت وأجهزة الفيديو القديمة سينقرض الرسيفر والدش في المرحلة القادمة وسينقرض معهما من لم يركب القطار الجديد.

* كاتب سعودي

Hani_DH@

gm@mem-sa.com