-A +A
محمد الساعد
يتولى «الصهيو قطري» الدكتور عزمي بشارة واحدة من أكبر إمبراطوريات الإعلام ومراكز الأبحاث والدراسات في المنطقة، مع امتدادات في أوروبا وأمريكا وشرق آسيا، إضافة إلى شراكات وتمثيل خلايا التفكير أو كما يطلق عليها الـ «ثنك تانك» في أمريكا على وجه الخصوص، هذه الإمبراطورية التي بناها على عينه وبما يناسب «جيبه»، حققت له حياة رغيدة وغنية بل فاحشة الثراء بعد سنوات من القحط وقلة الحيلة عاشها في إسرائيل، استطاع بشارة من خلال الميزانية المفتوحة التي قدمتها له الدوحة أن يمتلك مئات من مراكز الأبحاث حول العالم ويخضع الباحثين ويرهن آراءهم به ولأجندته واجندة «معزبيه» في قطر.

في عام 2004 وعند فتح باب الترشح لانتخابات رئاسة الوزراء الإسرائيلية، تقدم عزمي بشارة عضو الكنيست الإسرائيلي بأوراقه وأعلن في مؤتمر صحفي عقده في تل أبيب ترشحه للمنصب الأول، الذي يقوم من يتقلده بإدارة الدولة الإسرائيلية ورعاية مصالحها وشؤون مواطنيها، كانت المرة الأولى التي يتقدم فيها فسطيني بتلك الخطوة الكبيرة في طريق التطبيع الحقيقي مع المؤسسات الإسرائيلية، الغريب أنها لم تكن في حقيقتها مجرد تجربة أو فرقعة إعلامية في الهواء بل إسترتيجية لها ما بعدها من مشاريع تولاها بشارة؛ فهو في الأساس عضو الكنيست، الذي يعد أهم مؤسسة تشريعية إسرائيلية، وفيه يتم تمرير القوانين التي ترسخ يهودية الدولة ووجودها في المنطقة والموافقة على قرارات الحروب التي شنتها إسرائيل على العرب.


لكن هل عزمي بشارة هو حقاً الشخصية القومية العربية التي يسوق لها اليوم، ويقدم على أنه المفكر الذي تنطلق منه كل أفكار الثورات في العالم العربي، أم تم تنظيفه وغسله من أدران التصهين كما يتم غسل أموال الدعارة والمخدرات ولو على الأقل أمام المتابع والقارئ والمشاهد العربي.

الغريب بل المدهش أن عزمي يقدم نفسه اليوم كمناهض للتطبيع ويتهم دولاً وأشخاصاً ليس لهم علاقة بإسرائيل بقيادة مشروع توطين إسرائيل في المنطقة، وللحقيقة التي لا يمكن إنكارها فقد كان ومازال بشارة جزءاً من المشروع القطري لتعويم تل أبيب وقبولها لدى الشارع العربي -ألم يكن عضواً في الكنيست وتقدم لرئاسة وزراء إسرائيل-.

ما يحاول عزمي بشارة ترويجه للعالم العربي هو الشخصية «المحدثة» منه، والتي تم تجميعها في قطر على شكل ليبرالي قومي، لكن الماكينة الداخلية التي صنعت في تل أبيب لا تزال هي من يعمل ويقود الخطط والأفكار لهدم جدران الدول العربية وتحويلها لدول فاشلة.

عزمي الذي انتقل إلى الدوحة من تل أبيب مستشاراً لأمير قطر السابق والحالي، اقترح على القطريين تقسيم مخطط الاستحواذ على الرأي العام عبر أربعة محاور تصب كلها في خدمة مشروع الدوحة بالمشاركة مع الديموقراطيين في أمريكا وجماعة الإخوان المسلمين.

الأول.. من خلال توسيع الإعلام اليميني المتطرف؛ وهذا تمثله قنوات الجزيرة بكل تفرعاتها، والهدف منها مخاطبة الشعوب المسحوقة المحتقنة الفقيرة وتحريضها على أنظمتها الحاكمة وعلى خصوم قطر؛ على سبيل المثال السعودية ومصر والإمارات والبحرين، وكل من لا يتوافق مع المشروع القطري، كما تم ذلك مع تشاد وموريتانيا على سبيل المثال.

الخط الثاني.. إعلام قومي يتبنى الأجندة العروبية ويروج لأفكار لربط اليسار وبقايا البعثيين من خلالها وتمثله قناة عربي 21 وصحيفة القدس العربي وأخرى إلكترونية، إضافة إلى شراء وتمويل مطبوعات تصدر في عواصم عربية وأوربية تحمل نفس الأفكار.

ثالثا.. إنشاء إعلام ظل غير مكلف يعتمد على مئات المواقع والحسابات الإخبارية غير المهنية، لكنها تتبنى الإثارة والأخبار الكاذبة، وتروج لإشاعات بهدف هدم الثقة في الدول والأشخاص، التي تعاديها الأجندة العابرة.

رابعا.. إنشاء منظومة من مراكز الأبحاث التي تخدم المشروع وتدعمه وترفع من قيمته، يتم من خلالها بناء طبقة صلبة من النخب والباحثين وأستاذة الجامعات؛ مهمتهم تبني وترويج الأفكار التي تغير السياسات والأفكار لدى الحكومات، ببطء ولكن بفعالية شديدة، بالطبع يتم استثمار أصواتها أيضاً في تكوين اللوبيات وجماعات الضغط؛ كما حصل في الخلاف مع دول المقاطعة الرباعية وقضية إسطنبول.

* كاتب سعودي