-A +A
حسين شبكشي
ملامح التميز والعبقرية تبدأ في السنوات المبكرة في عمر الإنسان. هكذا رأيناها ووثقها التاريخ، عبر نماذج بشرية مختلفة ومتنوعة، من الموسيقار موزرات النمساوي، مروراً بمارادونا عبقري الكرة الأرجنتينة. النماذج عديدة ومختلفة تذهب بنا لنؤكد ذلك. في السعودية هناك حالة «إبداعية» شابة ومدهشة تستحق المتابعة والإشادة والاحترام. أقصد تحديداً حالة محمود صباغ الإبداعية. محمود صباغ، شاب من أسرة كريمة، مثقف بامتياز وقارئ نهم وعاشق للمعرفة منذ نعومة أظافره. اهتم بالتاريخ وتعمق في جذوره، وبحث في كافة جوانبه فيما يخص السعودية تحديداً أو ما جاورها. وبالرغم من شبابه إلا أنه تمكن من أن يجاري غيره بالأدلة والبراهين والمواثيق. مارس الكتابة والنقد والتوثيق المدون على شبكة الإنترنت، فأحدث حراكاً لافتاً ومميزاً، وكانت دائماً مقالاته التي يكتبها تلقى القبول وتثير الفضول لما فيها من غزارة المعلومات والتاريخ الموثق «الجديد» في طرحه وتقديمه كمادة ومعلومة تعرض وكأنها للمرة الأولى. طور محمود صباغ من أدواته وحرفيته ومهنيته خلال دراسته الأكاديمية في نيويورك بجامعة كولومبيا بكلية الصحافة، وهي أعظم كلية صحافة في العالم بلا منافس ولا جدال. وعاد محمود صباغ وعاد للكتابة بشكل أكثر احترافية، ولكنه حول عشقه وشغفه إلى أداة جديدة وهي الكاميرا، فقدم عملاً وثائقياً «خفيفاً» و«مختلفاً» عن أحد رموز الفكر والثقافة في التاريخ السعودي وهو حمزة شحاته، وبعد ذلك أقدم على إنتاج وإخراج وتأليف دراما تلفزيونية يوتيوبية عن قصة لاعب كرة قدم في حواري جدة، وقصة صعوده إلى عالم الاحتراف الكروي تحت مسمى «كاش». ولكن لظروف اقتصادية وتقنية وإدارية ونظامية لم يكتمل العمل. وبعدها أقدم محمود صباغ على حلمه الكبير، وقدم فيلمه الأول «بركة يقابل بركة» الذي تحول إلى ضربة كبرى، وأصبح حديث المهرجانات وثناء النقاد والعرض الجماهيري. وبات من الطبيعي أن تجد الفيلم يعرض في الطائرة على الخطوط الجوية المختلفة وعلى شاشات التلفزيون في القنوات المتخصصة لعرض الأفلام. وأقدم محمود صباغ على هذه المهمة دون أي دعم، واعتمد فيها على جهوده الشخصية ودعم بعض الأصدقاء، وقدم أسماء جديدة وشابة تظهر على الشاشة لأول مرة. وشارك محمود صباغ بعد نجاح فيلمه في مهرجان برلين السينمائي العظيم، ودعي للعديد من المهرجانات الكبرى كمتحدث وضيف. والآن ها هو فيلمه السينمائي الجديد «عمرة والعرس الثاني» ينطلق في مهرجان سينمائي في لندن، وبعدها في القاهرة، ويواصل صباغ رحلته مع النجاح، فالفيلم لقي القبول والاستحسان النقدي الكبير بانتظار العروض الجماهيرية المفتوحة. توليفة محمود صباغ الثقافية والإبداعية تؤكد ولادة عبقرية سينمائية، وبداية لغة سينمائية سعودية مستقلة ومميزة. فيلمان مميزان انطلقا من محمود صباغ بنجاح، وبمجهودات وتمويل ذاتي هي شهادة بحق روح الإبداع والإصرار، ولكن هذه النوعية من المواهب الإبداعية الاستثنائية تستحق الرعاية والدعم لأنها تمثل الوطن وتضيف في سجلاته الثقافية والحضارية والإبداعية، ونحن بأمس الحاجة لذلك الآن.

* كاتب سعودي