-A +A
حمود أبو طالب
الزعامات الحقيقية ليس من طبعها الخطابات الاستعراضية المطولة التي تحشد عبارات الإثارة والوعود المستحيلة والحديث في كل شيء وعن كل شيء عدا ما يهم المواطن واحتياجاته والوطن وقضاياه ومستقبله وأمنه واستقراره. نتذكر حكام بعض الدول سابقاً وحاضراً عندما يتحدثون إلى مواطنيهم أو إلى العالم وكيف يصيبون المستمع بالملل ويثيرون فيه شعور الامتعاض والسخرية وفقدان الثقة في ما يقال، لأنه بعيد عن الواقع ويستخف بوعي الناس وإدراكهم ويعاملهم كقطيع من السذج عليهم الاستماع والتصديق والتصفيق ليس إلا، بينما هم يغرقون في همومهم ومشاكلهم ومتاعبهم.

هذه الحالة لا توجد في المملكة منذ مؤسسها إلى عهدنا الحاضر، لأن الاستعراضات الخطابية الإنشائية الفارغة ليست ضمن سياستها ولا هي من قناعات حكامها في كيفية التعامل مع المواطنين والمتلقي الخارجي والمجتمع الدولي، سواء في الأوضاع الطبيعية أو خلال الأزمات والظروف الاستثنائية.


نعود إلى خطاب الملك سلمان يوم أمس في افتتاح السنة الثالثة من الدورة السابعة لمجلس الشورى. جاء هذا الخطاب والمملكة تواجه تحديات غير مسبوقة داخليا وخارجيا. على الصعيد الداخلي هي تتحدى نفسها بمشروع تحديثي وإصلاحي ضخم وتأريخي على كل الأصعدة، لأنها قررت أن تنتقل إلى المستقبل الذي يليق بها وتجاوز كل العقبات التي تحول دون تحقيق هذا الهدف. وخارجياً تواجه المملكة في هذه الفترة أصعب وأشرس استهداف لاستقرارها وأمنها من محاور عديدة تتكالب عليها لإعاقة مضيها في الطريق الذي رسمته لنفسها. لو كان هذا يحدث في دولة أخرى لسمعنا إسهابا وتطويلا وتشنجاً وتشريقاً وتغريباً تضيع خلاله القضايا الجوهرية ولا يخرج المستمع بنتيجة محددة. لكن سلمان بن عبدالعزيز، كسابقيه من الملوك، وضع يوم أمس خارطة طريق مختصرة ومركزة فيها الخطوط العريضة والمبادئ والمحاور لسياسة المملكة في هذه المرحلة. كان خطاباً يليق بملك ويليق بمواطن بلغ قدراً كبيراً من الوعي، يثق تماماً بسياسات دولته وقدرتها على إدارة الوطن بنجاح في كل المراحل والظروف.