فيصل بن معمر متحدثا في القمة العالمية للتسامح في دبي.
فيصل بن معمر متحدثا في القمة العالمية للتسامح في دبي.
-A +A
«عكاظ» (دبي)okaz_online@
شارك مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، في فعاليات القمة العالمية للتسامح، التي نظمها المعهد الدولي للتسامح، برعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، تحت شعار: (تحقيق المنفعة الكاملة من التنوع والتعددية: مجال حيوي للابتكار والعمل المشترك)، خلال الفترة من 16-15 نوفمبر 2018. وبحث المشاركون خلالها سبل نشر قيم التسامح عالميا ودعم الحوار البناء بين مختلف الحضارات والثقافات والأديان.

من جانبه، أكد الأمين العام للمركز العالمي للحوار فيصل بن عبدالرحمن بن معمر، على نهج المركز العالمي للحوار، الذي تم تأسيسه من قبل المملكة العربية السعودية الدولة المؤسسة وبالشراكة مع مملكة إسبانيا وجمهورية النمسا والفاتيكان، ويديره مجلس إدارة يتكون من خبراء في مجال الأديان والثقافات من المسلمين والمسيحيين واليهود والبوذيين والهندوس، ومجلس استشاري مكون من (60) عضوا مرشحا للارتفاع إلى (100) عضو يمثلون (15) ديانة وثقافة، محددا حديثه في الدور المرتقب للحكومات في تشجيع وتعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي والتنوع الديني والثقافي، معللا ذلك بأهمية علاقتها النظرية والتطبيقية؛ مشيرا إلى أن مبدأ التسامح ليس له دلالة أو معنى إلا في بيئة تتصف بالاختلافات الثقافية والدينية، فمن دون التنوع والاختلافات، وحتى الصراعات، يصبح الحديث عن التسامح والتعايش السلمي ترفا فكريا. وأضاف ابن معمر في كلمته التي جاءت بعنوان: (دور الحكومات في تشجيع التسامح والتعايش السلمي والتنوع) أن التسامح ببساطة، يعني الامتناع عن استخدام وسائل الإكراه؛ لإجبار شخص ما على التخلي عن قيم أو معتقدات يُعتقد أنها خاطئة. ومن هنا يتضح الفرق بين التسامح والحرية، التي تعني القوة الكامنة في الشخص لفعل أو الاعتقاد بما يشاء دون قيود، مشيرا إلى أن تعريف التسامح وتحديد الفروق بينه وبين المفاهيم المشابهة، تقتضيه الضرورة العلمية، ويتوجَّب علينا معرفة المقصود بمبدأ التسامح قبل مطالبة الحكومات بترجمته إلى سياسات عامة وتطبيقات عملية. وبناء عليه، فعندما نتحدث عن التسامح، فإننا لا نتحدث عن الحرية أو الاعتدال أو أية مفاهيم أخرى قريبة منه. وطرح الأمين العام للمركز العالمي للحوار سؤالا مشروعا: ما الدور المنشود للحكومات في تعزيز مبدأ التسامح، والمحافظة على التنوع، وتحقيق التعايش السلمي؟، وأجاب عنه باستفاضة، مشيرا إلي أن نظرة سريعة إلى التجربة التاريخية الإنسانية؛ نجدها تشير إلى أن الاضطهاد الديني والعرقي والثقافي، قد وصل ذروته عندما تمت معاقبة المخالفين ثقافيا أو دينيا أو المتخلفين عرقيا؛ لأن الخلافات الدينية والثقافية والاختلاف العرقي تعد جزءا من مكونات أي مجتمع، وهذا التنوع مصدر قوة وإثراء للمجتمعات. إلا أن معالجة الخلافات بالقوة والإجبار والعنف ترتب عليه فظائع ذهب ضحيتها ملايين الأبرياء عبر التاريخ. وأكد ابن معمر على أن نفس التجربة التاريخية، على الجانب الآخر، تشير إلى أن الحكومات كانت العامل الرئيس في تعزيز وتطبيق مبدأ التسامح، لافتا إلى الحروب الدينية في أوروبا خلال القرنين السادس والسابع عشر الميلاديين؛ ومع وجود الخلافات بين الكاثوليك والبروتستانت منذ فترة طويلة. إلا أنها لم تتحول إلى حروب دامية إلا بعد إقحام الحكومات في تلك الخلافات الطائفية. كما أن مبدأ التسامح في أوروبا لم يتحقق جزئيا إلا بعد وصول النخب السياسية الأوروبية إلى قناعة بأن إقحام الحكومات في الخلافات الدينية لن يؤدي إلا للحروب وعدم الاستقرار.


وعن عالمنا اليوم، وتحديدا في منطقتنا أوضح، أنها تمتلك أمثلة رائعة على التسامح صاحبت انطلاق الرسالة الإسلامية وطبقها على أرض الواقع رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم. وشدّد ابن معمر على أن منطقة الشرق الأوسط عرفت عبر كافة مراحل تاريخها اعترافا وقبولا بالتنوع الديني والطائفي والثقافي. وباستثناء بعض أحداث العنف الديني والطائفي في تاريخ المنطقة التي تبنتها منظمات إرهابية استخدمت فيها الدين، والدين منها براء وأصبحت مناطق عدة ملاذات للمتطرفين والإرهابيين عجزت حكوماتها عن دحرهم وبناء منظومة من التسامح والتعايش واحترام التنوع وبناء السلام؛ فإن التعايش السلمي بين مكونات شعوب المنطقة كان هو السائد، مشيرا إلى أن المنطقة شهدت عسكرة للخلاف الطائفي؛ تم على إثره تأسيس ميليشيات طائفية مسلحة لتحقيق غايات سياسية بالدرجة الأولى، مؤكدا أن عسكرة الخلافات الطائفية أو المذهبية تعد سابقة تاريخية في العلاقة بين المذاهب الإسلامية، مؤكدا على إيمانه بأن الحوار، وليس بناء المليشيات الطائفية المسلحة، هو الطريق لتحقيق التسامح والتعايش السلمي في منطقة الشرق الأوسط.