-A +A
صدقة يحيى فاضل
يعتبر الكيان الصهيوني، من قبل كل شرفاء العالم، أشرس وآخر استعمار استيطاني عنصري على وجه الكرة الأرضية، في الوقت الحاضر. فقد تمت تصفية الاستعمار القديم، كما تمت تصفية النظام العنصري الذي شهده القرن العشرون الماضي، في جنوب أفريقيا، وأصبحت هذه البلاد تدار من قبل غالبية شعبها الأفريقية. صحيح، أن الاستعمار الجديد ما زال قائما وجامحا، في بعض مناطق العالم. وهو - كما نعرف - أسوأ من الاستعمار التقليدي القديم. ولكن إسرائيل تنفرد بكونها كيانا مغتصبا أصلا؛ إذ قام على أشلاء شعب بأكمله، حيث جيء بعصابات من المهاجرين اليهود الصهاينة من شتى بقاع الأرض، ليقيموا هذا الكيان على حساب الشعب الفلسطيني، الذي تم اغتصاب أرضه (بحجج واهية معروفة) ومصادرة ممتلكاته، وقتل وتشريد أهله، وخاصة من يقاوم هذا الاحتلال الصارخ.

ولم يكتف الصهاينة باغتصاب ثلاثة أرباع فلسطين، بل عملوا - وما زالوا - جاهدين على مصادرة وابتلاع الربع المتبقي، ليغتصبوا كامل فلسطين، ويرغموا ما تبقى من شعبها الفلسطيني على النزوح خارجها. إنه استعمار استيطاني عنصري بغيض.. ويتم، مع الأسف، على مرأى ومسمع العالم، لأن القوى العظمى تؤيده وتدعمه وتباركه! وهذا هو السبب الرئيس الذي يجعل هذا الكيان مستمرا. وهذا وحده كفيل بجعل هذه القوى شريكا كاملا في ما يعرف بـ «جريمة العصر».. والتي تتمثل في قيام ونمو وتوسع وعربدة إسرائيل.


وتتجلى عدوانية وجرم إسرائيل أكثر ما تتجلى في «سرقة» ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، وخاصة أرض الضفة الغربية، وإقامة ما يسمى بـ «المستوطنات الإسرائيلية» بها. حيث تنهب أراضي الضفة، وتقام عليها مساكن ليهود تأتي بهم إسرائيل من الخارج، ليصبحوا «سكان» هذه الأراضي، ومواطني الكيان المغتصب في اليوم التالي لقدومهم إلى إسرائيل.

وتعمل إسرائيل كل هذا رغم صدور عدة قوانين وقرارات للشرعية الدولية تحظر هذا الاستيطان الإجرامي، وتستنكره، وتجرمه. ولكن هذا الاستيطان يتواصل بدعم سخي مطلق من القوى الغربية المتنفذة، وتواطؤ من أنصارها. هذا الجرم يستمر، على قدم وساق، منذ احتلال الضفة الغربية في عام 1967م. وتهدف إسرائيل بهذا التحرك العدواني «تهويد» كامل فلسطين، ومنع قيام دولة فلسطينية مستقلة، والهيمنة على كل فلسطين، للانطلاق منها للسيطرة على كل المنطقة، وتحقيق الهدف الصهيوني المسعور، والذي يتمثل في إقامة إسرائيل الكبرى المسيطرة، إقليميا وعالميا.

***

إن «المستوطنة الإسرائيلية» (Settlement /‏ Colony) في الأراضي المحتلة هي عبارة عن: تجمعات سكانية استعمارية عنصرية (يهودية) بنيت على الأراضي التي احتلتها إسرائيل سنة 1967م. ويسميها الفلسطينيون - بحق - المغتصبات. ومنذ العام 1967م، أقامت إسرائيل 121 مستوطنة في الضفة الغربية، عدا المستوطنات «العشوائية». وحتى أوائل عام 2016م، بلغ عدد المستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية حوالى 410 آلاف مستوطن. وحوالى 400 ألف مستوطن في القدس الشرقية، وحوالى 20 ألفا في الجولان السوري المحتل. وكانت هناك مستوطنات في شبه جزيرة سيناء، وقطاع غزة، تم تفكيكها على مضض.

والمستوطنة عبارة عن تجمع سكاني زراعي وحضاري، تظهر في هيئة قرى ومدن صغيرة. وأكبر أربع مستوطنات هي: مودعين عيليت، معاليه أدوميم، بيتار عيليت، أرائيل. وهذه المستعمرات وصل حجم كل منها إلى ما يعادل حجم مدينة صغيرة. إذ يتراوح عدد سكان كل من المستوطنات الثلاث الأولى 37 - 55 ألف نسمة. بينما يقطن «أرائيل» حوالى 20 ألفا.

***

أكثر من 90% من دول العالم ومنظماته الدولية تقف ضد هذا الاستيطان، وتدعم القضية الفلسطينية، وتدعو لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967م. ولو كان هناك حد أدنى من العدالة الدولية الملزمة، لتم إرغام إسرائيل على العودة إلى حدودها حتى يونيو 1967م، على الأقل، ولتمت مصادرة كل هذه المستوطنات، وتسليمها للفلسطينيين، لأنها أصلا ملك لهم. إذ أقيمت عنوة على أرضهم. حتى مجلس الأمن الدولي (المهيمن عليه أمريكا) أصدر في مارس سنة 1979م قراره رقم 448 القاضي باعتبار هذه المستوطنات غير قانونية، وغير شرعية. ومع ذلك، ما زالت إسرائيل تواصل توسيع هذه المستوطنات، رأسيا وأفقيا. فقد أمنت العقاب - حتى إشعار آخر.

تقول الإحصاءات العالمية أن تعداد الشعب الفلسطيني الآن (2018م) يبلغ حوالى 13 مليونا، منهم حوالى سبعة ملايين يقيمون في الشتات، خارج فلسطين؛ أي أن معظمهم يقيم الآن مضطرا خارج أرضه. بينما يوجد في فلسطين حوالى ستة ملايين فلسطيني. مليون ونصف في فلسطين 1948م، وأربعة ملايين ونصف في كل من غزة والضفة الغربية.

من حق كل من شرد من الفلسطينيين خارج أرضه أن يعود إليها، متى رغب (وغالبيتهم تتوق للعودة). ويجب أن تُهيأ الضفة الغربية بكاملها - على الاقل - لتسكين هؤلاء العائدين، في جزء من أرضهم، وأرض آبائهم وأجدادهم. فلن تستقر المنطقة، والعالم، ما لم تحل القضية الفلسطينية حلا عادلا، يضمن للفلسطينيين الحصول على الحد الأدنى من حقوقهم المشروعة، وفي مقدمتها كامل الضفة الغربية، بما عليها من منشآت. أما البحث عن «حلول أخرى»، فلن ينجح، ولن يمر. وهذا ما يؤكده تاريخ هذا الصراع منذ العام 1948م.

* كاتب سعودي