-A +A
محمد الساعد
في منتصف دورته الثانية قام الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بخطوة غريبة وغير متوقعة رفع بموجبها القيود عن أموال واستثمارات القيادي الإخواني يوسف ندا الذي يعد لليوم وزير مالية الإخوان ومدير خزائنهم والمسؤول الأول عن استثماراتهم وأحد أكثر الشخصيات الإخوانية غموضاً وإثارة للجدل، الرفع جاء في أعقاب سنوات من الملاحقات القانونية فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش التي وضعته ضمن قوائم الإرهاب وتحت طائلة الاتهامات والاشتباه به وفي تنظيم الإخوان المسلمين في دعم خلايا القاعدة التي كانت بالفعل هي الذراع العسكرية للإخوان.

يوسف ندا استطاع التحرر من تلك المراقبة اللصيقة وعاد ليدير الإمبراطورية المالية من مدينته المحببة «جنيف» حيث قصوره وأملاكه المنيفة، لقد قدرت ثروة الإخوان المتحفظة بأكثر من مئة مليار دولار انتشرت في مختلف دول العالم تحت مسميات بنوك وشركات دولية ومحافظ وصناديق استثمار.


منذ بزوغ نجم الإخوان على يد الساعاتي حسن البنا اهتموا كثيراً بقاعدتين رئيسيتين في عملهم، التقرب للسلطات والتجار ليتمكنوا من جمع النفوذ والأموال وقد فعلوا، بالطبع كان للأموال مهام أخرى، فهي فضلا عن كونها تضمن لهم حياة باذخة على حساب القيم والمبادئ إلا أنها كانت وسيلتهم للتسلق والتمكين ومكافأة المتعاونين.

ندا الشخصية الأكثر سرية كشف وربما دون قصد منه عبر حوار على قناة الجزيرة وكذلك من خلال كتابه «من داخل الإخوان» عمن أسماهم البقع السوداء، فمن هم يا ترى وما هو دورهم؟!

هذا نص ما قاله في كتابه: «لقد احتفظنا بصلاتنا بأشخاص في الظل كانوا بمثابة البقع السوداء في ارتفاعات لا يكشفها الرادار، ولكن عند الحاجة إليهم يتم إيقاظهم، وهذا ما اتبعناه في كل الأماكن التي حظرت نشاط الإخوان، كنا نعلم أن هؤلاء الرجال قبلوا بنا ولهم نفس أفكارنا ونأمل إذا طلبنا منهم شيئاً أن يفعلوه».

كلام يوسف ندا الخطير الذي أباح بواحد من أهم أسرار التنظيم يكشف فيه بكل غرور عن أن الإخوان يقومون باختيار شخصيات يتم تأهيلها لتصبح في يوم من الأيام من القيادات الكبرى، وعند تمكنها أو وصولها لمراكز القرار يتم الاستفادة منها بذكاء حتى لا تكشف، إلا أن أخطر أعمالهم بلا شك هو إفشاء أسرار الدولة وتمرير المعلومات للتنظيم والدول المعادية للاستفادة منها، وربما الانقلاب عليها إذا جاءتهم الفرصة.

السؤال يا ترى من هم «البقع السوداء» في مراكز القرار في الدول العربية والخليجية على وجه الخصوص، وكيف يمكن اكتشافهم والحؤول دون تضخم خطرهم، ولماذا هم موجودون بالأساس، وهل هم موجودون الآن، وعلى أي مستوى وكيف لا يكتشفهم الرادار الأمني كما يقول ندا، إذ لا شك أن الخبرات التنظيمية والانخراط في خلايا سرية على مدى عقود أعطت الإخوان القدرة على التخفي والادعاء بغير طبيعتهم..

السعودية والخليج الأمر واضح جداً إذ تعد بالنسبة للتنظيم ومنذ وقت مبكر من وفودهم عبر قوافل التعليم أو هربا من اضطهاد في دولهم الأم كانت هي الجائزة الكبرى، كونها دولاً غنية وقليلة السكان، وشعوبها لم تنغمس في التيارات التي اجتاحت العالم العربي، فيسهل السيطرة عليها.

إلا أن المراقب يستطيع أن يتبين بعض ملامح تلك البقع السوداء في الصداقات والشبكات الفكرية والتنظيمية وتمكين قيادات أصغر في مفاصل العمل وإتاحة الفرصة لهم للتطور وتسريع ترقيتهم، إضافة إلى تبادل أدوار الحماية وتعويمهم وتخفيف الغضب الشعبي عليهم عند انكشافهم، كذلك يمكن ملاحظتهم في الارتباط الدائم بالعائلة الإخوانية والعلاقات التجارية والتوظيف للمنتمين إلى الجماعة.

* كاتب سعودي