-A +A
طارق فدعق
كلمة تطلق على نظرة الاكتئاب المزمن. وتطلق أيضاً على الذين يعشقون الحزن والغضب بسبب ودون سبب. وقد عاصرت تجربة عجيبة في هذا الشأن وإليكم تفاصيلها: سافرت حديثاً على أول الرحلات الجوية الصباحية من جدة إلى الرياض برفقة أحد الزملاء. وافترقت أماكن جلوسنا بداخل الطائرة فجلست عند الباب لأنني أعشق البيبان، وكان زميلي في مؤخرة الطائرة. وعند وصولنا بالسلامة إلى مطار الرياض، انتظرته خارج الطائرة مباشرة. وكان آخر تيار الركاب البالغ عددهم حوالى الثلاثمائة. العجيب هو أنني لم ألحظ ابتسامة واحدة من أي من الرجال. والأغرب من ذلك أنني لم أجد أي علامات للسعادة على أي من وجوههم بالرغم من وجود دواعٍ كثيرة للبهجة ففضلاً تأمل التالي: كانت طائرتنا جديدة «نوفي» من طراز البوينج 787 وهي من الأحدث في العالم، وكانت رحلتنا بتوفيق الله آمنة ومريحة جداً، ودون أية مطبات جوية. وكانت الخدمة مميزة جداً. ووصلنا قبل الوقت المحدد بحوالى ست دقائق. وكانت الحجوزات صعبة على هذه الرحلة بالذات، فكل من وجد مكاناً فيها كان موفقاً. تخيلوا أن كل هذه النعم الرائعة لم تؤثر على الشكل العام لوجوه الركاب، فلم تكن هناك أي علامة للسعادة. ولنتوقف لحظة هنا لوصف حالة الحزن على الوجوه بشكل عام: غالباً ما تسحب أطراف الحواجب إلى الأسفل أو مقدماتها إلى الأعلى بما يشبه رأس المثلث، وتشمل أيضاً إسقاط أطراف الجفون الخارجية إلى الأسفل. وهذه صعب التحكم فيها إراديا إلا لمن يتدرب عليها بإتقان. ولمن يتقن ذلك فقد أتقن إحدى سمات «الفراخة»، وتجدها ضمن فنون الشحاذة لأنها «تعنون» الوجوه وكأن أصحابها مغلوب على أمرهم. ولكن لها جوانبها الصادقة فستجدها عند من يتعرضون للآلام الحقيقية بأشكالها وأنواعها. وخير الأمثلة على ذلك هو عيادة طبيب الأسنان. وفي الواقع فقد بدأت هذا المقال على أحد أغرب الكراسي، فبالرغم أنه من أكثرها راحة، فهو يولد قمة الرعب، وهو عند طبيب الأسنان. تتحول عضلات وجهي لا إرادياً لتتناسب مع الموقف فتسقط أطراف حواجبي وترتخي أطراف جفون عينيي، وكل ذلك قبل أن يدخل الطبيب إلى الغرفة. وجزء من ذلك الحزن هو بسبب حسرتي على التهام حلوى «اللدو»، و«اللبنية»، والجزء الآخر هو بسبب قلة حيلتي. وتتجاوب مجموعة عضلات صغيرة الحجم وكبيرة التأثير على وجهي للموقف وأسماؤها عجيبة مثل «فرونتاليس» frontalis التي تسحب الجزء الداخلي من الحاجبين إلى الأعلى، وعضلات «كوريجايتور» corrugator التي تضم الحاجبين نحو بعضهما، وعضلة «ديبروسور أوريس» depressor orisالتي تسحب أطراف الفم إلى الأسفل... شغل عضلات الدراما في أقوى أدوارها. وبعد كل هذا يبدأ الرعب الحقيقي عندما تبدأ الحفارة التي تدور مقدمتها على سرعة جنونية تفوق العشرين ألف لفة في الدقيقة... بداخل أسناني... ولنعود لركاب الطائرة في مطلع المقال، فكأن معظمهم شكلهم رايحين أو جايين من زيارة عيادات أسنان.

أمنيــــة:


من أسرار السعادة في حياتنا هي إدراك أهمية النعم التي يكرمنا بها الخالق في كل لحظة. وليس من المعقول أن نتوقع أن نكون مبتسمين طوال اليوم، ولكن لا داعي للكشرة. ولنتذكر أن «تبسمك في وجه أخيك صدقه» هي من أجمل السلوكيات. أتمنى أن نعيد النظر في دواعي السعادة والبهجة في حياتنا فهي كثيرة، والحمد لله على كل حال،

وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي