-A +A
منى المالكي
حفلت فترة الستينات الميلادية من القرن الماضي بثورة ثقافية عربية زاخرة، رسم ملامحها كبار المثقفين العرب أدباً وفكراً، شارك فيها الأمير الشاعر عبدالله الفيصل بأجمل لوحات أدبية وهي كتابة ثلاث قصائد بالفصحى يغنيها عمالقة الطرب العربي أم كلثوم وعندليب الغناء عبدالحليم حافظ، ولكن أن تغني كوكب الشرق الصوت الذي اجتمع على حبه العرب جميعاً قصيدتين وبالفصحى هنا الاستثناء وهنا الفعل الثقافي الحقيقي.

نعلم من سيرة الأمير الشاعر عبدالله الفيصل صلاته الثقافية المميزة مع المثقفين العرب وحرصه على التواصل معهم ولقاءاته المتعددة وسجالاته الفكرية المعروفة، وأصبح بذلك وزارة ثقافة متحركة بمعنى العمل الذي تمارسه الوزارات الآن، كما استطاع يرحمه الله أن يكرس لوجود وأثر الشعر السعودي في وجدان الإنسان العربي من خلال كلمات قصائده التي أضحت ثيمات وعلامات في مسيرة الشعر العربي، وهو الدور الذي بدأ مع عبدالله الفيصل وانتهى به!


توثقت علاقته بسيدة الغناء أم كلثوم التي تغنت برائعته ثورة الشك وحققت نجاحا كبيراً وأصبحت من أشهر أغنياتها تنشد الست:

«أكاد أشك في نفسي لأني

أكاد أشك فيك وأنت مني

يقول الناس إنك خنت عهدي

ولم تحفظ هواي ولم تصني»

إلى أن تصل إلى روعتها في المقطع الذي يقول:

«وما أنا بالمصدق فيك قولاً

ولكني شقيت بحسن ظني

أجبني إذا سألتك هل صحيح

حديث الناس خنت ألم تخني».

يستمر حلم الخلود لعبدالله الفيصل بغناء كوكب الشرق أم كلثوم مرة أخرى لرائعته الخالدة «من أجل عينيك» التي لحنها أستاذ السيدة ومعلمها السنباطي، تلك القصيدة التي امتلك عنوانها «من أجل عينيك» قوة دلالية وتداولية كبيرة فقد أصبحت جملة «من أجل عينيك» مفتاحا لبدايات مدهشة! تنشد أم كلثوم من رائعة عبدالله الفيصل:

«من أجل عينيك عشقت الهوى

بعد زمان كنت فيه الخلي

وأصبحت عيني بعد الكرى

تقول للتسهيد لا ترحل

يا فاتناً لولاه ما هزني

وجد ولا طعم الهوى طاب لي

هذا فؤادي فامتلك أمره

أظلمه إن أحببت أو فاعدل»

استثمار هذه العلاقة الثقافية المميزة بين أمير ابن ملك والست كما كان يخاطبها دائماً، حفرت أثراً شعرياً خالداً في سياق الثقافة العربية وهذا ما يفتح الباب على مواضيع بحثية ثرية تستثمرها الدراسات النقدية لاستعادة ذلك التاريخ الثقافي واستثماره حاضراً ومستقبلاً، وتمثل جائزة الأمير عبدالله الفيصل للشعر العربي واجهته المضيئة، الجائزة التي أعلن عن استقبال الترشيحات في فروعها الثلاثة هذا الأسبوع، الجائزة التي تشجع على ترسيخ تلك القيم الثقافية الكبيرة من العودة لمكون مهم من مكونات الهوية العربية وهي اللغة وتاجها الأجمل الشعر، كما أن الجائزة تقدم نموذجاً شعرياً سعودياً هو الأمير عبدالله الفيصل الذي استطاع ولوحده وضع بصمة في ذاكرة الوجدان العربي الذي مازال إلى الآن يعيش ثورة الشك!

* كاتبة سعودية

monaalmaliki@