-A +A
طارق فدعق
تصف هذه الكلمة ما يتعدى الكسل. هي أقرب ما يكون لأسلوب حياة بأصول، وفنون، وقواعد عمل. ولا تقتصر ممارستها على البشر فحسب، وإليكم بعض من أغرب الحالات: في عالم الكيمياء نجد أن جميع العناصر تتمتع بخصائص تعتمد على حالتها الداخلية. كلها تحاول إشباع أوضاع الذرات التي تكونها بمشيئة الله. ولكي نصفها بدقة أفضل، فهي تسعى لضبط أعداد ومستويات أوضاع الالكترونات بداخل الذرات. وفي ذلك السعي تتكون خصائصها المختلفة، وأهمها قدراتها على التفاعل مع الذرات الأخرى. بعضها يلجأ إلى السرقة، فيتفاعل بشدة لنهب الالكترونات من الذرات الأخرى... وعناصر «الفلور» والصوديوم والكلور من الأمثلة على ذلك. كلها مجنونة متهورة تريد أن تتفاعل بأي طريقة كانت لإشباع رغبات التوازن الالكتروني بداخل ذراتها. وبعض العناصر تلجأ إلى التعاون الودي مثل ذرات الكربون فهو من العناصر التي تحب «البشكات» سواء كان ذلك مع جماعتها، أو مع العناصر الأخرى. وهناك التنابل... والمقصود هنا هو العناصر التي وصلت ذراتها إلى حالة الإشباع، وبالتالي فلا رغبة لها في التفاعل. يعني في قمة «شوفة الحال». وفي عالم الكيمياء يطلق عليها اسم العناصر النبيلة «يعني» أنها تترفع عن الاتحاد مع العناصر الأخرى. وتشمل هذه المجموعة مجموعة غازات وهي الهليوم، والنيون، والأرجون، والكريبتون، والزينون، والرادون. وكلها تعشق التنبلة. وهناك أيضا مجموعة عناصر صلبة وهي المعادن الثمينة مثل البلاتين، والذهب، والفضة، ولهواة الكيمياء فتشمل أيضا: الروديوم، والبالديوم، والروثينيوم، والاريدميوم.، والأوزميوم، والايريدميوم.. وحيث إنها تتصف بعدم الرغبة في التعاون مع العناصر الأخرى فهي تقاوم «البهدلة» و«الجربدة». وعلى سبيل المثال، فهذه المعادن لا تتفاعل مع الأوكسجين فلا تتأكسد وتبقى في حالتها النقية لفترات طويلة وهذه من الخصائص المرغوبة في المجوهرات طبعاً. وفي الواقع فهي من الخصائص المطلوبة أيضاً في العديد من التطبيقات الصناعية، والطبية، وفي عالم الاتصالات، وفي تقنيات الحاسبات. وهذه معلومات مفيدة لمن سيتقدم للزواج، فلو اختبرك والد الخطيبة عن معلوماتك العامة، أذكر له أنك ستقدم خاتم الزواج بناء على خصائص علمية متينة وأن اختيارك لن يقتصر على الذهب والفضة فحسب...فسيشمل الأسماء اللاتينية الرنانة المذكورة أعلاه. وطبعا لو رفض طلبك للزواج بناء على حديثك في معلومات تجهلها، ففضلاً لا تذكر هذا المقال، ولا هذه الجريدة.

وفي عالم المخلوقات نجد أن العديد منها يلجأ الى التنبلة كأسلوب حياة. الطاقة التي تحصل عليها المخلوقات عادة مكلفة جداً، وبالتالي فهناك فنون لترشيد استخدام الطاقة لأن الحصول عليها عادة ما يكون مكلفاً للغاية. ولذا فتجد أن معظم الحيوانات تلجأ للخمول كحالة عادية جداً لمعظم ساعات النهار. وأما في المساء فهي تنام. ولا نستغرب هذه السلوكيات من الأسود والنمور التي تأكل كمية مخيفة من اللحوم في وجبة واحدة فتصاب بالتخمة، ولذا فهي «تنخمد» لفترات طويلة. ولكن تخيل أن معظم النحل يلجأ الى التنبلة كأسلوب حياة أثناء معظم ساعات النهار. طبعاً انطباعنا عن النحل أنه من المخلوقات النشيطة، وهو كذلك نسبة الى المستوى العام للتنبلة في عالم المخلوقات الأخرى.


أمنيــــة:

بصراحة لا يهمنا ما يدور في عالم تنبلة العناصر الكيميائية، والأسود، والنمور، والنحل، بقدر ما يهمنا الحاصل في عالم البشر. أتمنى أن لا تستمر في النمو والانتشار، وأن يكفينا الله شرورها،

وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي