-A +A
صبحي الحداد - صيدلي esobhi2008@hotmail.com
أتذكر ونحن تلاميذ في المرحلة الابتدائية قبل أكثر من نصف قرن، أننا كنّا نتلقى الرعاية الصحية دورياً داخل صفوف المدرسة، إذ كان يزورنا طبيب أو فريق طبي من مختلف التخصصات، يتفقد أحوال الطلبة وسؤالهم عن مشكلاتهم الصحية، من تسوس أسنان أو ضعف نظر أو فقدان للشهية وغيرها من المشكلات الصحية الأخرى التي عادة تصيب تلاميذ الابتدائية وهي مرحلة النمو والتكوين، بل إن أولئك الأطباء كانوا من واقع الخبرة والمعاينة للتلاميذ يكتشفون حالات سوء التغذية وفقر الدم وأمراض العيون والسمع والأمراض الجلدية والحساسية وغيرها، وكانوا يقدمون أوراق تحويل للحالات المرضية أو الحالات المشتبه بها إلى الوحدة الصحية المدرسية الرئيسية في «السبع قصور» بالبغدادية الغربية بجدة، لمزيد من الفحص والمعاينة والتحاليل ولإتمام المعالجة، وكان الأطباء خلال جولاتهم المدرسية يجلبون معهم كبسولات زيت السمك لتوزيعها على التلاميذ بمعدل كبسولتين كجرعة داعمة.

كانت تلك الجولات الدورية على المدارس تأتي بفائدة صحية مجتمعية كبيرة، من حيث اكتشاف الحالات المرضية مبكراً وعلاجها والقضاء عليها قبل انتشارها واستفحالها، ما يخدم الوضع الصحي العام.


صحيح أن عدد المدارس والتلاميذ آنذاك كان قليلاً، إلا أن فكرة الاهتمام بصحة الطالب والوصول إليه في مدرسته كانت من الأفكار الوقائية المثمرة، التي انقرضت على ما يبدو في السنوات اللاحقة بسبب كثرة المدارس وزيادة أعداد الطلاب، وأصبح الطالب لا يذهب للوحدات الصحية المدرسية إلا نادراً، وعند الضرورة القصوى أو عند طلب تقرير مرضي للغياب، وباتت الوحدات الصحية المدرسية غير مؤهلة تأهيلاً حقيقياً لاستقبال الحالات المرضية - الإ حالات الزكام والسعال والالتهابات الشعبية الخفيفة - وفقدت تلك الوحدات الثقة وبات مألوفاً مراجعة أولياء أمور التلاميذ للمستشفيات العامة أو الخاصة بحثاً عن الإمكانات الصحية ونجاعة العلاج.

وكان قرار تحويل الصحة المدرسية إلى وزارة الصحة قرارا جيدا، رغم أنه سيشكل عبئاً إضافياً على خدمات وزارة الصحة التي تعاني أصلاً من تردي بعض خدماتها وازدحام مستشفياتها ومراكزها الصحية، وبات المرضى من الطلاب يراجعون مراكز الرعاية الصحية الأولية التي تنتشر في الأحياء. وأتساءل: هل ستجدول وزارة الصحة برامج زيارات ميدانية لتلك المدارس؟ وعمل الاستقصاءات الوبائية وفحوصات للطلبة، وهل لديها الإمكانات لتغطية الأعداد الكبيرة من المدارس؟

إن المؤشرات الصحية تبين أن نسبة تسوس الأسنان تصل إلى 75% بين الأطفال (9- 10 سنوات)، وهي من أعلى النسب مقارنة بدول العالم، حسب دراسة سعودية أجريت عام 2012، وهنالك دراسة أخرى تمت على الفئة العمرية بين 6-18 سنة أظهرت أن 35% من الأضراس الدائمة معرضة لعلاج العصب، وأن دراسة سعودية أخرى أوضحت أن 9% من هذه الأضراس معرضة للخلع.

أما فقر الدم الغذائي أو الأنيميا فهي مشكلة كبيرة في المملكة ودول الخليج وبالذات فقر الدم الناتج عن نقص الحديد، حيث خطره كبير وعلاجه بسيط جداً، وهو الوعي، فالأغذية متوافرة ولله الحمد، ولكن المشكلة في عدم تقديم الأغذية المفيدة والغنية بالحديد، إذ تمتلئ المقاصف المدرسية بـ«جنك فود».

هاتان مشكلتان صحيتان فقط «تسوس الأسنان، وفقر الدم»، غير عشرات المشكلات الصحية الأخرى التي تواجه التلاميذ في هذه المراحل العمرية المهمة، فماذا أنتم فاعلون يا وزارة الصحة؟

أرى أنه كان من الأفضل بقاء الوحدات الصحية المدرسية تحت مظلة وزارة التعليم مع ضرورة دعمها بالإمكانات والكفاءات من قبل وزارة الصحة.