-A +A
رشيد بن حويل البيضاني
حب الوطن غريزة فطرية، لا علاقة لها بما قدم هذا الوطن للفرد وما أعطاه، فالقضية ليست «تبادل منافع»، أو «صفقة مادية»، وإنما هي مسألة خارج أية حسابات، ولا يمكن تبريرها بمبررات مادية نفعية، وكلنا يعرف ما فعلت مكة وأهلها بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، تكذيب وتعذيب وتهديد ووعيد، ومع هذا لم يضمر النبي صلى الله عليه وسلم لوطنه كراهية، ولم يفكر في الانتقام، وإنما أعلنها صراحة أنها أحب بلاد الله إليه، ولولا أن أهلها قد أخرجوه ما خرج منها، كما عفا عن أهلها حين مكنه الله تعالى منها، بمن فيهم من كفار ومشركين، وبمن فيهم ممن آذوه وأخرجوه، وإنه حب الوطن الذي تمكن من قلب النبي الأمين صلى الله عليه وسلم.

أتذكر هذا الموقف وما يضمر من عداء لوطننا وهجوم فاضح، فعجبت لهؤلاء الذين ينقلبون على أوطانهم ويسعون في خرابها ويتآمرون عليها، ويتعاونون مع أعدائها، فلم يدرك هؤلاء أن البشر ماضون وزائلون، والأوطان باقية.


هذه سلوكيات أفراد شاذة، والأفراد - كما قلت - غير خالدين، ولا يمكن لنا أن نجعل سلوكيات مجموعة من أبناء الوطن ذريعة وسببا لكراهية الوطن أو خيانته أو مؤازرة أعدائه.

ولقد أظهرت الأحداث الأخيرة التي مرت بها البلاد قلة من الأفراد، خالفوا الفطرة، ونهجوا منهجا معاديا لوطنهم الذي ولدوا على أرضه وترعرعوا بين ربوعه، أو نهلوا من خيراته، لكنهم فضلوا السير في ركاب الكارهين والحاقدين والموتورين، فسلطوا ألسنتهم ووجهوا أقلامهم لنشر الشائعات، والنيل من استقرار الوطن. يضم التاريخ الإنساني قصصا وخطابات عن حب الناس لأوطانهم، كما يشهد الواقع بما يقدم الكثيرون لهذه الأوطان، ولعمري كيف يستوي أولئك الذين باعوا أنفسهم لله تعالى دفاعا عن الوطن ضد المتآمرين، وهؤلاء الذين باعوا أنفسهم للشيطان وانضموا إلى صفوف الكارهين الحاقدين. ستنكشف الغمة بإذن الله تعالى، وسيدرك الجميع حقيقة الرجال، من أحب الوطن وأخلص له، مع أنه ربما لم يحقق من الثراء أو الجاه ما يعزز هذا الحب، ومن خان الوطن وباعه، مع أنه قد حقق فيه ومنه ثروات، يعيش بها في الخارج، بل ويوظفها لهدم الوطن وتدميره.

صدقوني إن حب الوطن ليس بأيدينا، ولكنه بقلوبنا، وسنظل على حبه وعشقه والدفاع عنه والذود عن مقدراته، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، إلا الوطن، فاحذروا...!