-A +A
محمد الساعد
أثبتت الحملة الإعلامية الهائلة التي واجهتها السعودية خلال الأسابيع الماضية والتي قادتها وسائل إعلامية تقليدية – غربية على وجه الخصوص – وبالذات صحيفتي الواشنطن بوست والنيويورك تايمز، وقنوات سي إن إن، وبي بي سي عربي، وفرانس 24، أن من يصنع الرأي العام الصلب والمكثف والقادر على صياغة أي حرب إعلامية وتوجيه أعتى الضربات دون تكاليف هي بلا شك الصحف وأعمدة الرأي والقنوات الإخبارية ولا شيء غيرها.

السؤال الكبير.. هل هي أول حملة إعلامية تواجهها السعودية، وهل هي الأخيرة..


بالتأكيد لن تكون الأخيرة، وما يتم الآن هو رفع مستوى الحملات إلى حرب إعلامية كاملة الأركان، لأنكم أيها السعوديون اخترتم الحياة على الموت والمستقبل على الماضي ووطنكم على أوطان الآخرين وحكامكم بدلا من المرشد الإخواني والمرشد الشيعي.

أما الماضي فقد واجهت المملكة منذ تأسيس البلاد حملات تشويه عاتية، ففي الخمسينات والستينات كانت الحملات الإعلامية حينها إقليمية في معظمها من دول اليسار والشيوعية والمد العروبي والبعثي الذي كان يرى السعودية الملكية دولة «متخلفة رجعية» لا تناسب شكل دولهم الثورية، لم يكتفوا بإذاعاتهم وتلفزيوناتهم وصحفهم، بل أدخلوا أكاذيبهم وعداواتهم في مناهجهم الدراسية، وما ترونه الآن من أحقاد وضغائن هو نتاج تلك المناهج والتزوير الذي حقنوا به أجيالا متتالية من شعوبهم.

في السبعينات استفاق الغرب على وقع قطع السعودية لإمدادات النفط، وتنبه إلى أنها دولة مستقلة لا تخضع لأي ابتزاز، لم يرق ذلك للإعلام الغربي –خاصة اليساري منه– فشن حملات متتالية لم تنته لهذه اللحظة.

حروب اليوم على السعودية حرب جديدة لا تطلق فيها رصاصة واحدة.. ولا ينزلون جنودهم على شواطئنا ولن يرسلوا طائرة مقاتلة ولا صاروخا مدمرا لقصفنا، فقط سيقومون بنشر الشائعات والأكاذيب والمعلومات المضللة والضغط على قادة الحكومات الغربية ورؤساء الشركات والمنظمات لأخذ مواقف خشنة منا، إنه إرهاب من نوع جديد، الهدف منه الانتقام من الدولة التي لم ترضخ لربيعهم المزور، والشعب الذي استعصى عليهم ورفض الخروج إلى الشوارع حاملا شعارات صنعها الإخوان على أعين المخابرات الغربية، كانوا يريدونكم ليبيين جددا مشتتين في رمالكم بلا دولة، وسوريين لاجئين مشردين على أبواب أوروبا.

هناك خلية عمل هي من تصنع المكينة الإعلامية الحالية في العالم والموجهة ضدنا، تعد وترسم الأخبار في كواليس دول إقليمية وغربية وأجهزة مخابرات وتنظيمات عابرة، ثم تمررها للصحف التقليدية في الغرب والتي شئنا أم أبينا ليست محايدة وليست مثالية، تلوي المعايير المهنية لصالحها وتكتب الخبر والمقال بناء على أيديولوجيتها وعقيدتها ومحبتها وكراهيتها، ثم تنطلق تداعياتها بعد ذلك في الفضاء الأوسع عبر وسائل الاتصال الحديثة.

المشكلة الكبرى أننا فرطنا أو نكاد نفرط في مؤسساتنا التقليدية وخبراتنا المتراكمة، كان لدينا في الثمانينات والتسعينات أقوى جهاز إعلامي خارج أوروبا وأمريكا، للتذكير فقط – الشرق الأوسط عرب نيوز سيدتي الجميلة الإم بي سي وإذاعات وشبكات رياضية وفنية – صحيح أنها لا تزال موجودة، لكن السؤال لماذا ليست فعالة.

لدى الغرب بقيت المؤسسات التقليدية هي من تدير التغير، بل وتشكل المشهد الجديد بناء على خطها هي لا خط الآخرين، حتى لا ينفرط العقد من يديها، وهذا ما حصل، فهي اليوم تبيع الخبر على «الأون لاين» وعلى الورق فتعاظم دخلها وتأثيرها.

عندنا حصل التالي.. انفرط مجد المؤسسات الإعلامية والتفتنا عن الخبرات التي فيها، وماطلنا وبقينا محتارين، ثم سمحنا لوسائل ومنصات ومشاهير السوشال بالخروج مثل الفطر إلى الساحة ليصبحوا فجأة ملاك ونجوم الساحة، فهل هؤلاء من يصنعون الحروب الإعلامية، إن هذا تحديدا ما اضطر المغرد السعودي للنزول إلى المعركة والدفاع بحماس ووطنية لا يمكن وصفها، انتصر فيها بلا شك، لكن الحرب طويلة الأمد وتحتاج إلى مؤسسات وليس جهود أفراد.

نهاية المشهد تقول.. لا تصدقوا من يروج أن مواجهة الإعلام الغربي تبدأ من تخطي الماضي الإعلامي والانسحاب منه، بل بتعزيز دور المؤسسات الإعلامية التقليدية ودعمها، فالمتابع يثق في تلك المؤسسات ويرتبط بها وجدانيا ولا يزال يتذكر قدرتها على الدفاع عنه بكفاءة كما فعلت طوال تاريخه، في حروب الوديعة واليمن الأولى والخلاف مع القوميين والبعثيين والمواجهة مع الإيرانيين وصدام وتداعيات 11 سبتمبر والتصدي للمتطرفين والإرهابيين والرجعيين وأخيرا تنظيم قطر.

* كاتب سعودي

massaaed@

m.assaaed@gmail.com