-A +A
منى العتيبي
في مقعد مجاور كانت تتباهى أمامي بعدد الدورات التدريبية التي حصدتها من أجل التطور الذاتي والوصول إلى ذاتها، التي بدت لي وبعد كل هذا الكم من شهادات الذات أنها لم تصل! تحدثتْ طويلًا عن كل دورة واسمها ومع كل جملة كانت تتناثر منها كلمات «ذات، ذاتي، تطوير الذات، مهارات شخصية، إدارة الذات» وكلمات.. كلمات تطول بها قائمة البحث عن الذات.

كنتُ ومع هذا الحديث الطويل أستمع وأراقب نظراتها المرتبكة مع كلماتها المتواترة وتواضع لغتها أمام سردها عن رحلتها الذاتية خلال دوراتها الذاتية، استمرتْ في الحديث حتى طافت بي معها إلى أغلب دول العالم، ولم تتوقف حتى وقف أمامها سؤالي: وهل وجدتِ ذاتك؟ صمتت.. تشابكت أياديها.. تنهدت.. كيف يعني؟ يعني كل هذه الأوراق التي حصدتيها في رحلتك للبحث عن ذاتك، عما يعرفك عليها، عما يناسبك من مهارة.. هل وجدتِ كل ذلك؟! قالت: نعم وجدتها، قلت: أين؟ قالت: في أني أقدم دورات تدريبية عن تطوير الذات.. أنقل كل ما تلقيته للناس!


ضحكتُ حتى كادت أن تكون هذه ضحكتي الزمنية التي لن يكررها القدر.. ضحكتُ لوجع الحقيقة حين تكون ذواتنا تجارة تدريبية، مجرد عملية تدوير، تلقين، طريق نسير فيه ولا نجدنا.. نبحث عننا في كل التوجهات والمهارات ولا نجدنا.. نستمع لمدرب يُمسك ريموته جيدًا ويقلّب شاشة عليها معلومات ومعلومات ثم يختم باسمه ورقة كشهادة ميلاد ويبارك لنا اجتيازنا الدورة وحصولنا على «ذاتنا» !

في الرواية الشهيرة الأمريكية «Eat pray love» للكاتبة الأمريكية إليزابيث جيلبيرت التي تحكي فيها عن امرأة خاضت تجربة البحث عن ذاتها عندما لم تجد نفسها في حياتها وفي أوج تألقها المهني والأسري، كانت البطلة تعي تمامًا خلال رحلتها في البحث عن ذاتها بأن التجارب الذاتية والاستماع إلى صوتها الداخلي واكتشاف ما يناسبها من مهارة تستوعب كياناتها النفسية والفكرية والعاطفية وتتناغم مع قدراتها الجسدية والذهنية هي المحك الحقيقي لتصل فيها إلى ذاتها، هي ما يدلها إلى طريق نفسها، حيث دونت في الرواية عبارات أحسبها من ذهب لكل شخص يبحث فيها عن نفسه من مثل: إن عجزت أن تكوني سيدة تفكيرك فأنتِ في ورطة كبيرة لن تخرجي منها أبدًا. وقولها: في النهاية أنت لست سوى ما تفكر فيه وأحاسيسك تأتي تباعا لأفكارك وأنت تباعا لعواطفك، وقولها لا تنسي أبداً أنكِ في يوم من الأيام تعرّفتِ على نفسك كصديقة.

وقد أطربني جدًا وجدًا ما قالت: نحن نبحث عن السعادة في كل مكان.. ولكننا مثل متسول تولستوي الذي قضى حياته جالسا على قدر من الذهب يستجدي القروش من المارة.. غير مدرك بأن ثروته كانت تحته طيلة الوقت، فكنزك-كمالك-هو بداخلك أساسا...

عزيزي القارئ قِفْ.. لا تصدق تجّار الوهم.. نصّابي العصر الجدد؛ فلا توجد دورة تدريبية في العالم تدلك إلى نفسك أو تستطيع أن تعلمك كيف تتعرف على نفسك وكيف تُديرها، أو تؤثث أمنياتك وتكتشف أحلامك، شغفك ومواطن قوتك، أسرار عملاقك الداخلي، فإن لم تكن أنت مدركا لمكامن ذاتك فلا تتوقع أن تتعرف عليها في وجه وكلمات شخص آخر.. لا تدعهم يستغفلونك.. يستغلونك اعمل.. اقرأ.. جرّب.. وتعلّم، فالحياة قاسية جدًا وعميقة المعنى وليست وردية كما تجدها بسطحيّة معلوماتهم على سطح شاشات دوراتهم.

* كاتبة سعودية

fanarm_7@