-A +A
منى العتيبي
تهدف مؤسسات التعليم العالي في طبيعة وجودها إلى إنتاج المعرفة الجديدة والابتكارات العلمية وتكوين الطلبة والباحثين في مختلف الحقول المعرفية، وانتقلت مع الزمن إلى دور آخر أصبح ضرورة عصرية ملحة تلازم جامعات التعليم العالي وهو التأهيل المهني وإنتاج ما يلبي رغبات وحاجات ومشكلات الناس وأحلامهم المستقبلية مع الارتقاء بالمجتمع والنهوض به إلى أرقى المستويات التقنية والاقتصادية والاجتماعية، وإشباع حاجات ميادين الاستثمار التي تؤدي إلى الارتقاء بكفاءة الأفراد وزيادة الإنتاج المحلي العام.

كل ذلك يكون في الحدود الزمنية للنظام الجامعي ومجرد الانتهاء من ذلك وانشغال الدارس بمهنته المجتمعية ينقطع الدارس أو الباحث عن الاستمرار من التعلم العالي والتكوين المعرفي والمهني الذي يصقل مهاراته العلمية والمهنية، ولا يوجد قطاع تكويني آخر يساهم في صقله معرفياً ومهنياً غير الممارسة التي يكتسبها من مهنته بمساندة من دورات تدريبية ٩٠% منها لا تحقق الهدف المنشود؛ لذلك من المهم أن يكون هناك ما يسمى بالتكوين المستمر، ويُنظر إليه كقطاع مستقل له مؤسساته ورؤيته وإستراتيجيته ويلامس كل أشكال التكوين في مختلف المناحي العلمية، ويضم كذلك كل أشكال التكوين غير المهيكل وكذلك المنتظم والتابع للمؤسسات الحكومية وغير الحكومية ويقوم على التعلم من مبدأ ما يسمى بالتكوين مدى الحياة ويستقر في أماكن متعددة ومتنوعة كالمكتبات العامة والمدارس والأندية المسائية وكذلك الأندية الثقافية والأدبية والمؤسسات الصناعية الوطنية أو الخاصة.


مؤخرًا انتشر في العالم ما يُسمى بالتعلم الإلكتروني أو التعليم عن بعد E.Lerning والتواصل من خلاله مع كافة جامعات ومؤسسات التعليم العالي بالعالم والذي تكمن أهميته في حل مشكلة الانفجار المعرفي والإقبال المتزايد على التعليم وتوسيع فرص القبول في التعليم، إضافة إلى تمكين تدريب وتعليم العاملين دون ترك أعمالهم مع إشباع حاجات وخصائص المتعلم ورفع العائد من الاستثمار بتقليل تكلفة التعليم.

وقد لاحظت أوروبا التي تعترف بهذا النظام من التعليم تقدماً ونمواً متزايداً على مستوى البحث العلمي وعلى مستوى الإنتاج الصناعي وفي هذا الأمر خطوة مهمة لكي نلتفت نحن كسعوديين أصحاب رؤية تشتغل على مستقبل علمي وتقني اقتصادي إلى صناعة مكون مستمر نستمد منه أدوات مبتكرة لمواكبة التغيرات والتطورات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية العالمية.

إن تحديد مصادر المعرفة وتأطيرها للأفراد في مدة زمنية معرفية محددة كالنظام الزمني الجامعي المحكوم في فترة زمنية معنية دون استحداث مكونات تأهيلية من مصادر معرفية أخرى تمتد مع الفرد وتتيح له فرصة التعليم والتعلم تحد من التطور الفردي المأمول منه في تحقيق ما تصبو إليه رؤية المملكة ٢٠٣٠، فنظام «الدبلوم» المحكوم باشتراطات ونظام الدورات التدريبية التي تحول أغلبها إلى استثمار مادي بلا فائدة علمية أو مهنية قد تُذكر، مازالت أنظمة تقليدية لا تدعم ما تطمح له الرؤية النهضوية السعودية، لذلك حان الوقت لتغيير سياسة التعليم العالي خاصة أن نظام الجامعات الحالي لا يمكن أن تكون شريكا فاعلا في التنمية الاقتصادية في الوقت الراهن، وهذا قد يتحقق لو أصبحت الجامعات محطة للانتقال إلى المهنية في التدريب واستفادت من تصنيفها إلى جامعات تطبيقية وبحثية وعلمية مع تهيئة الطلاب لسوق العمل والتعليم المستمر.

* كاتبة سعودية

fanarm_7@