-A +A
عبدالرحمن الطريري
رحم الله جمال خاشقجي، وألهم أسرته وذويه الصبر والسلوان، وأتقدم بالتعازي إلى جميع أصدقائه ومحبيه.

كانت المعركة الإعلامية التي قادتها أكثر من جهة، على المملكة العربية السعودية، بالتزامن مع اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي، مليئة بالدروس والعبر، وكاشفة للصديق من العدو.


كرست الحملة لعبة أولوية الأخبار، بعد التركيز على خبر واحد ولعدة أيام، مما يعني بالضرورة تهميش تغطية عشرات الأخبار، وتجاهل بعض الأخبار بالكامل، فنجد خبرا مثل إعادة القس الأمريكي برانسون إلى الولايات المتحدة، بعد عامين من الاحتجاز في تركيا، مر مرور الكرام.

فلم يخضع أحد هذا الخبر للتحليل، ويفتش عن ما وراء الصفقة، وأي ثمن تحصلت عليه تركيا مقابل التنازل عنه، بعد أن كانت تعتبر ثمن تسليمه هو استرداد فتح الله غولن من أمريكا، والذي ما زالت ترفض واشنطن تسليمه، ولم يناقش أحد كيف تغيرت شهادات الشهود ضد القس الأمريكي الذي اتهم بالتجسس، ليصبح بعدها برئيا ويظهر يقرأ صلواته على الرئيس الأمريكي من داخل البيت الأبيض.

كما أظهرت الحملة الإعلامية الرهان على العناوين، وأن الناس لن تدخل في تفاصيل الخبر، وكيف أن عنوانا رنانا، قد يسمح لخبر بانتشار حتى لو كان مليئا بالظنون والاعتقادات، و«ربما» و«على ما يبدو».

كما كانت الأخبار مليئة بالمصادر رفيعة المستوى، والمصادر المسؤولة مما أظهر رغبة تركية في ممارسة الابتزاز، ورغبة قطرية في إشباع الحقد على السعودية، ومقدار الألم الذي تسببت به مقاطعة الدول الأربع المكافحة للإرهاب.

الطريقة التي تعاملت فيها السعودية كانت حكيمة ومتروية، فلا يمكن البناء على تقارير أولية غير موثوقة، لذا حرصت على تشكيل فريق تحقيق موحد مع تركيا، وكانت شفافة في سماحها لفريق التفتيش بالدخول إلى مقر القنصلية وبيت القنصل، بالرغم من أن القانون لا يجبرها على ذلك.

كما أظهرت السعودية حجمها السياسي والاقتصادي، وأهميتها في ملفات عدة من ضمنها دورها الكبير في مكافحة الإرهاب، والإسهام في دعم الاستقرار الإقليمي، وثقلها الإسلامي والعربي.

بلا شك أن هذه المعركة لن تنتهي بإصدار بيان النائب العام، فالمعركة أبعد من خاشقجي، المعركة مع السعودية، لمواقفها من قطر ومن إيران ومن جماعات الإسلام السياسي سنة وشيعة، وللتحدي الذي تمثله المملكة في رؤيتها الواعدة 2030.

* كاتب سعودي

Twitter: @aAltrairi

Email: me@aaltrairi.com