-A +A
سمير القمصاني skomosani@
إلى أمين جدة، لن أبدأ المقال بمدح أو تملق، فلست من المتسلقين أو المتحذلقين، ولكنك ستجدنا إن شاء الله من المحبين الصادقين الناصحين،

وما شجعني على الكتابة لكم، خطابكم الصادق الذي استمعنا إليه في ورشة العمل «الهوية الحضارة لمدينة جدة»، برعاية مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، وبحضور محافظ جدة الأمير مشعل بن ماجد، كانت كلماتك صادقة، شفافة أمينة على الوطن ومكتسباته وأهله، جدة التاريخية تستعد لاستقبال ملايين من الزوار، بعد اعتماد التأشيرات السياحية قريباً والسماح للمعتمرين بتمديد تأشيراتهم للسياحة داخل المملكة.


ورغم أن المنطقة التاريخية صنفت كأحد مدن تراث العالم لليونسكو، إلا أن العاملين فيها مصرون على أن تبقى المنطقة مهملة، وكأنها لا تستحق الاهتمام والرعاية والدعم، رغم ثرائها وقيمتها التاريخية والعمرانية، فجدة التاريخية عجوز، وكما وصفها معاليكم ألبسوها ثوبا مرقعا شوه جمالها، وللأسف كان علاجها في السابق عبارة عن «إبر بنج»، لتخدّر المشكلة وليس دراسة المشكلة وتحديدها ثم العمل على حلها جذريا، ودعوني أصحبكم في جولة لصور التشوه المؤلم الذي تعيشه المنطقة التاريخية منها على سبيل المثال:

وقوف السيارات أمام بوابة المنطقة التاريخية، في منظر مخجل، وعندما ترغب بالتقاط صور تذكارية لا يشوهها إلا السيارات الواقفة أمام البوابة، وتعكس شكلا مستهترا لبلدية التاريخية ويستخدمها عمال النظافة كنقطة انتظار وتبديل النوبات أمام الضيوف والزوار، كما أن حاويات النفايات مهملة ومفتوحة بطريقة مقززة، تنبعث منها الحشرات والروائح الكريهة، فصممت تلك الحاويات بطريقة عجيبة بلا أغطية، إضافة إلى أن المنطقة التاريخية تفتقد لدورات مياه، وسواء داخل الحارات أو الأسواق، ويعاني زوار التاريخية من عدم توافر مقاعد للجلوس، ما يضاعف معاناتهم خصوصا كبار السن والنساء.

وتنتشر في شوارع التاريخية أسلاك الكهرباء والهواتف المكشوفة التي تشكل خطرا على المنطقة، وتهدد بإشعال الحرائق، وكيابل الكهرباء العارية تتدلى في شوارعها بطريقة بدائية ومرعبة، وهي تحتاج لميزانيات ضخمة لصيانتها، ويبدو أن ذلك لن يتحقق قريبا، ومن المظاهر السلبية في التاريخية انتشار عمال النظافة بلبسهم المهترئ وأحذتهم البالية غير المطابقة لمواصفات عمال النظافة المطلوبة، فضلا عن أسلوب التسول العلني المحرج للزوار والمتسوقين في التاريخية.

معالي الأمين، ولن أحدثك عن مستوى الإهمال الذي تشهده بيوت المنطقة التاريخية، ومبانيها التي ظلت شامخة مئات السنين واليوم تتساقط واحدا تلو الآخر، والكل يشاهد ولا يحرك ساكنا، أملنا أن تبدأ الهيئة المختصة بالتاريخية عملها وتنقذ البقية الباقية بالتعاون مع الأمانة.

جدة المدينة التي تحظى باهتمام الدولة، تحتاج منطقتها التاريخية مزيداً من الرعاية، وفي ظل رؤية المملكة 2030 لا مكان للسكوت والكسل فهو زمن العمل والإبداع ونحن نأمل ونترقب الكثير، فجدة تستحق كثيرا من الإخلاص والتطوير، خصوصا منطقتها التاريخية.