-A +A
حمود أبو طالب
المرة الأولى التي قابلت فيها كاتب صحيفة نيويورك تايمز الشهير «توماس فريدمان» كانت بعد أحداث ١١ سبتمبر، كنت ضمن مجموعة من الزملاء من كتاب الرأي في صحيفة عكاظ، ومعنا آخرون من المثقفين والكتاب. كانت التهيئة لاستقباله غير عادية، وكان الترتيب لاستقباله استثنائياً بصفته توماس فريدمان في توقيت صعب وحرج بالنسبة لنا خلال تلك العاصفة العاتية.

تكلم فريدمان كثيراً، كلاماً مائعاً سائحاً وبفوقية غير مستساغة وكأنه يتحدث إلى جهلة من بلد متخلف لم يحظ أهله بالتعليم والثقافة ومتابعة ما يحدث في العالم، وحينما بدأ النقاش والحوار وجد نفسه في مأزق وحاول المناورة والمراوغة لكنه في النهاية تواضع وارتبك واعتذر عن إكمال النقاش بحجة ضيق الوقت وضرورة لحاقه بطائرته.


يوم وصول الملك سلمان إلى أمريكا في سبتمبر 2015 كتب توماس فريدمان مقالاً في غاية السوء عن الزيارة وعن المملكة، مستعدياً كل العالم علينا. لم يكن في المقال موضوعية ولا مهنية ولا حتى القدر القليل من اللياقة في زيارة ملك لدولة صديقة وحليفة. كنت ضمن مجموعة الكتاب والإعلاميين في الزيارة، وساءني جدا ما كتبه فريدمان، حاولت إرسال مقاله إلى وزير الإعلام آنذاك مع طلب بالحوار مع فريدمان وغيره من الكتاب وقادة الرأي لتفنيد ما جاء في مقاله لكن لم يهتم الوزير آنذاك، وعندما ذهبنا في زيارة لمركز أبحاث ودراسات إستراتيجية في واشنطن لنتحاور مع إدارته قالوا لنا في نهاية اللقاء: لقد تحدثتم اليوم جيداً لكنها المرة الأولى التي نراكم، بينما غيركم (الذين يواجهونكم من دول أخرى) يأتون هنا باستمرار ويجتهدون في عرض قضاياهم، إنكم تأتون متأخرين.

وخلال الأسبوع الماضي، وفي خضم قضية اختفاء الإعلامي السعودي جمال خاشقجي كتب توماس فريدمان مقالاً مستفيضاً ضمّنه كل ما استطاعه من اتهامات وإساءات للمملكة، هكذا وبكل فجاجة واستعلاء وغرور وكذب.

أعتذر عن الاستفاضة السابقة لكنها كانت ضرورية كي أوضح أننا ككتاب ننافح عن وطننا ونحبه ونفديه ولدينا المقدرة على مناورة أعتى الجبهات، لا تتاح لنا الفرصة لنفعل ذلك. يأتي من يأتي ولا نعرف لماذا ومن أجل ماذا. تتكالب على وطننا الاتهامات الجائرة وباستطاعتنا مقارعتها ودحضها في أي مكان جاءت منه لكننا قابعون في الداخل نحدث أنفسنا. بإمكاننا الجلوس مع قادة الرأي العام في أي مكان في العالم ونتحدث معهم بثقافتهم ومفاهيمهم كي نطرح قضايانا وندافع عنها ونزيل الشبهات التي تكتنفها لكن بدلاً من ذلك أصبحت السياسة الإعلامية تتركز على أصوات المغردين الذين لا يعرف عنهم العالم ولا ماذا يقولون. نقدرهم ونحترمهم لوطنيتهم، لكن التغريد ليس آليةً لحوار أعضاء الكونجرس ـ مثلاً ـ أو كتاب الرأي في أهم منابر الإعلام في العالم، أو لتغيير وجهات نظر لجان العلاقات الخارجية في برلمانات العالم.

سياستنا الإعلامية وفلسفة الدبلوماسية العامة لدينا قاصرة جداً، وإلاّ لكان صوتنا عالياً ومؤثراً في كل جهات العالم. تتخاطفنا السهام من كل حدب وصوب. أفيقوا أيها السادة وانتبهوا لوطن عظيم لا يليق به أن يكون مستباحاً من الغير إلى هذا الحد. من أجل الوطن دعونا نتحدث مع العالم كما يليق بوطننا.