-A +A
بشرى فيصل السباعي
لو سئل مؤرخ عن الفارق الجذري بين قوى تاريخ الماضي البعيد وبين تاريخ العصر الحديث منذ عصر النهضة الأوروبية وإلى عصرنا الحالي، فسيرد أن الفارق؛ أن قوى التاريخ البعيد كانت ميزانية دول وزعماء وجيوش، بينما في التاريخ الحديث القوى العظمى هي شركات تجارية، والتي بدأ عصر هيمنتها مع «شركة الهند الشرقية» التي بلغت قيمتها السوقية بعملة العصر الحالي 7.9 تريليون دولار، وكانت هي الحاكم الفعلي لمستعمرات الإمبراطورية البريطانية في الشرق، وبأوامرها ولأجل أسواقها وأرباحها شنت الحروب، ومع حركة الابتكارات الحديثة تحولت كل شركة قامت بناء على ابتكار ما إلى قوة عظمى في العالم تفوق قوتها وميزانيتها تلك التي لعدة دول مجتمعة، وكامل نظرية تحرير الأسواق التي تم التأسيس لها عبر منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي قائمة على إعطاء صلاحيات مطلقة للشركات وفتح الدول لأسواقها بلا قيود، وأيضا بقي قرار السلم والحرب تبعا لمصالح الشركات الكبرى، وبلغ تأثيرها أوجه في الغزو الأمريكي للعراق 2003م حيث لم تعد الشركات تقف بالظل لتدير قرار السلم والحرب إنما تمت خصخصة العمليات الحربية والخدمات المساندة ومنحت عقودها الاحتكارية لشركات حققت أرباحا فلكية من الحرب، بما في ذلك شركات المرتزقة التي أوكلت إليها أخطر المهام باعتبار أن قتلاها لا يحسبون ضمن قوائم الخسائر بالأرواح للجيش الرسمي، لكن الجديد بالأمر حاليا أنه وحسب مجلة المال والأعمال الأمريكية «فوربس» فالمتصدرة في قائمة أقوى الكيانات في العالم لعام 2018 ليست مؤسسات وشركات غربية إنما صينية، فالكيانان الأقوى بالعالم هما:

1- بنك الصين الصناعي التجاري ICBC


2- بنك الإعمار الصيني

فالمرتبة الأولى والثانية هي لمؤسسات صينية، وتحتل الصين 5 مراتب من الـ10 مؤسسات الأقوى في العالم مناصفة مع الشركات الأمريكية، وللأسف قائمة المائة كيان الأقوى لا تتضمن أي مؤسسة وشركة لدولة عربية ولا مسلمة لا خاصة ولا حكومية، مع العلم أنه ضمن قائمة المائة الأقوى هناك شركات من الهند وكوريا الجنوبية والبرازيل، بينما ما زالت الشركات الأمريكية تمثل العدد الأكبر من الشركات بالقائمة، وهذا ما يبقي أمريكا القوة الكبرى في العالم؛ فهو ليس جيشها ولا سياستها إنما شركاتها وبخاصة ذات الصلة بالإنترنت والإنتاج الإعلامي والثقافي والفني، بينما هذه نقطة ضعف لدى الصين لكونها تحد من الحريات في استعمال التكنولوجيا الخاصة بالإنترنت والاتصالات والمعلومات ووسائل التعبير الإعلامية والثقافية والفنية، رغم أن تصنيع غالب قطع الكومبيوتر والأجهزة للشركات الأمريكية يتم في الصين.

* كاتبة سعودية

bushra.sbe@gmail.com