-A +A
محمد أحمد الحساني
ًلاشك أن الإدارة وقيادة الرجال فن يحتاج إلى مواصفات عديدة فيمن يتولى قيادة مجموعة من الموظفين الإداريين أو الماليين أو الفنيين وغيرها من مجالات العمل العام أو الخاص، ومن أهم المواصفات التي يجب أن يتحلى بها الإداري القائد الثقة بالنفس فلا يكون مهزوز الشخصية بما يؤدي إلى خضوعه وإرادته وإدارته لمن حوله يقلبونه كما يشاؤون، بل تكون له نظرة علمية وموضوعية نحو عمله والعاملين معه، كما أنَّ من أسس النجاح الإداري ألا يكون قائده مركزياً يمسك بتلابيب العمل في كل صغيرة أو كبيرة ولا يعطي أية صلاحيات لمن معه من المساعدين أو الموظفين الذين وزعهم الهيكل التنظيمي لإدارته في شتى المجالات وتكون مركزيته - غالباً - سببها الشك في موظفيه بناءً على ما قد وصل عن بعضهم قبل تسلمه العمل أو بعد ممارسته له فيكون هو والإدارة ضحية لتلك الشكوك والظنون، فقد تجد إداريا يسحب الصلاحيات الممنوحة من قبل سلفه لبعض مساعدي الإدارة لأنه صدق ما قيل فيهم وقد تجد إداريا آخر يجري عملية تنقلات عشوائية غير مدروسة في أقسام وشعب الجهة تستهدف أسماء إدارية ومالية بعينها لأنه لا يثق فيها فيعمل على إبعادها من المواقع التي يعتقد أنها تسهل لأولئك الموظفين سُبل الفساد المالي أو الإداري، وقد يجمّد بعضهم ويجعله يدخل الإدارة ويبقى فيها سبع ساعات دون أن يمسك بقلم أو يعالج معاملة واحدة وربما راق كأن يُعطي مهمة مستشار ثم لا يستشار ليستلم راتبه بالكامل باعتباره قد أكمل الدوام الرسمي المطلوب منه ولم تحول له أي معاملة ولم يطلب منه تنفيذ أي عمل، فيكون ما يصرف من رواتب له ولمثله من الموظفين هدراً مالياً يَنُمُّ عن فساد لأنها أموال تعطى بلا مردود عملي يخدم جهة العمل ومن يراجعها من المواطنين أو المقيمين، بل إن في مثل هذا الإجراء تعديا على النظام والصلاحيات والمواصفات المتعلقة بأية وظيفة إدارية أو مالية لأن التجميد يعطلها ويعطل شاغليها ويحولهم إلى بطالة مقنعة لمجرد أن قائد الإدارة يشك فيهم، وكان عليه أن يمنح كل موظف الصلاحيات التي تنسجم مع مؤهلاته وخبراته، وأن يوزع العمل في ما بينهم بعدالة وحكمة ثم يراقب ويتابع ويشرف على ما ينجز من معاملات مالية أو إدارية أو فنية فإن وجد في أي معاملة خللا في تطبيق النظام أو تجاوزاً للصلاحيات، فإنه يحاسب من عالجها ويمنحه فرصة الدفاع عن نفسه ويواجهه بمواد النظام التي أَخلَّ بها أو الإجراءات أو الصلاحيات التي عمل على تجاوزها سواء كان ذلك بقصد أو بغير قصد، لأنه في الأولى يكون التجاوز أو الخلل متعمداً قد يُنْبئ عن فساد إداري يعاني منه ذلك الموظف، وفي الثانية فإن عدم الكفاءة وقلة الخبرة قد تكون وراء ما حصل في تلك المعاملة من خلل أو تعد على مواد النظام أو الصلاحيات الممنوحة للموظف المكلف بمعالجة المعاملة.

أما أن يسود الشك جميع مرافق الإدارة ويصبح كل موظف داخل دائرة سوء الظن وتُبنى على ذلك القرارات والتنقلات والتجميد الإداري فإنه يحول أجواء العمل في الإدارة إلى أجواء خانقة وربما مسمومة، ويؤدي ذلك إلى تعطل العمل وتعطل مصالح المراجعين وربما يستغل مثل هذه الأجواء الخانقة المتسلقون من الموظفين، فيزعم كل واحد منهم أنه على استعداد لنقل ما يدور في الأقسام من أسرار للقائد الإداري في محاولة للتقرب منه، مما يزيده شكاً وريبة في بقية الموظفين فكيف يمكن لهذا القائد الإداري أن يقود إدارته نحو النجاح والإنجاز بعد أن جعلته شكوكه ومركزيته يدور حول نفسه صباح.. مساء فإذا أدرك ذلك القائد الإداري النتائج البائسة لأسلوبه المبني على الشك والظنون وأنها قد أوصلته وإدارته إلى طريق مسدودة فقد نجده يردد بعد فوات الأوان «ولكني شقيت بسوء ظني».


* كاتب سعودي