-A +A
عيسى الحليان
لم يعد بالإمكان حل أزمة الإسكان المتفاقمة أو التعاطي معها، دون تفكيك لمكوناتها التشريعية والتنظيمية والتمويلية والإجرائية، ومعرفة أوزانها النسبية في تكوين الأزمة، والعمل على إعادة إنتاج البيئة العقارية والإسكانية من جديد وفق أسس ومعطيات عصرية، ودون التركيز على حل واحد، كالإسكان الحكومي مثلاً، والتغاضي عن جملة من العوامل الموضوعية التي ساهمت تاريخيا في تراكم الأزمة والتي تسعى الوزارة حالياً إلى إيجاد حلول متكاملة لها وبشكل متواز. لكن ثمة جوانب مسكوت عليها في صناعة العقار التي تشكل مقدمة لأزمة الإسكان، والأرضية التي تقوم عليها حلول الإسكان، كالمهنة العقارية مثلا والتي لا تزال مهنة المتقاعدين أو من لا مهنة له، فهي تقوم على قاعدة الدلالة والسمسرة ولم تتطور هذه المهنة منذ نصف قرن رغم التطورات التي تجوب العالم حالياً على اعتبار أن المنتج العقاري والإسكاني قد تعدى مثل هذه المفاهيم والحلول التقليدية إلى صناعة عقارية عصرية تقوم على الحلول المؤسسية، بعيداً عن الحلول الفردية المكلفة والتي لا تجمعها شخصية عمرانية أو هوية وطنية ناهيك عن سيادة مثل الحلول الإسكانية القائمة على التطوير العقاري المؤسسي في العالم أجمع بما في ذلك التمويل بالتقسيط.

الإحصائيات التي هي مربط الفرس وأساس كل معلومة، تشير هنا إلى أن المساكن التي طورها مطورون عقاريون في المملكة لا تزيد على 3% من إجمالي المساكن التي يتم تشييدها مقابل نسبة 80% في أمريكا و70% في الهند، ونفس هذه النسبة في معظم الدول، وهو ما يشكل اختلالا هيكلياً وجوهريا في صناعة الإسكان في البلاد والذي كان واحداً من مكونات هذه الأزمة والمدخل الحقيقي لحلها، لكنك في نفس الوقت لا يمكن أن تطالب برفع هذه النسبة دون إيجاد حلول تشريعية وتنظيمية تعيد رأس المال الوطني إلى واجهة الاستثمار العقاري كالرهن العقاري؛ بمعنى أن كل مشكلة تلد أخرى وبالتالي فإن هذا القطاع كالأواني المستطرقة لا يمكن إحراز تقدم في جزء منها دون الجزء الآخر، وهو ما يتطلب بناء منظومة تشريعية وتنظيمية وتمويلية وإجرائية متناغمة ومتكاملة الأركان، وبمؤشرات محايدة وقابلة للقياس.