-A +A
محمد آل سلطان
عندما سقطت الدولة السعودية الأولى والثانية لم يدر بخلد من أسقطوها أنها ستنهض مرة أخرى كحلم قادم من بعيد للمرة الثالثة، وحدث فريد في تاريخ الأمم والدول قلما أن تعود فيه دولة للمرة الثالثة لتبني مملكة على مساحة شاسعة أشبه بالقارة على معظم أنحاء الجزيرة العربية.. حدث أعاد الذاكرة إلى قبل 1400 عام تقريباً عندما استطاع الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يلم شتات الجزيرة العربية لينطلق بها مرة أخرى عبر الفتوحات العربية والإسلامية نحو بناء إمبراطورية امتدت بعد ذلك في أقصى اتساعها على معظم أنحاء قارات العالم القديم.

السعودية كانت وما زالت بمثابة الأمل الذي لمع في سواد ليل حاضر، العرب الذين أنهكهم الاستعمار والتسلط العثماني ثم بعد ذلك الاستعماران الإنجليزي والفرنسي.. السعودية وحدها برزت كأول دولة عربية خالصة يتولى فيها العرب أمر وحكم أنفسهم بعد قرون طويلة طال عليها الأمد من حكم غير العرب للأوطان العربية، إما حكماً مباشراً أو انتداباً عبر ولاة تابعين للمستعمر العثماني والإنجليزي والفرنسي، لم يمر السعوديون بتجربة الانتداب والاستقلال ولذلك استطاعوا بناء دولتهم بدون عقد تاريخية.


لم يكن وقتها لدى السعوديين أي ثروة أو مال أو نهضة عمرانية تساعدهم في تأسيس دولتهم الثالثة، لم يكن لديهم سوى نزعتهم وجيناتهم وأنفتهم التي لا تقبل مستعمراً أو غريباً على أرض صحرائه الشاسعة وجباله العالية.. لم يتوقع قريب أو بعيد أن ينجح السعوديون في بناء دولة وإقامة نظام حكم قوي وعادل لشعب لم تستطع قوى الأرض ترويض طبيعته النفسية الفردية وجغرافيته القاسية لولا إن حكامه كانوا من نفس النسيج الاجتماعي والقبائلي الذي عرفهم وعرفوه.

السعودية الثالثة التي لمع نجمها في ليل حالك السواد على يد مؤسسها الملك عبدالعزيز -أحد أعظم وأدهى ملوك الأرض- كانت أشبه بالحلم الذي لمع بين عيني الملك المؤسس فأصبح بفضل الله قدراً ومصيراً شجاعاً لابد من خوضه حتى وإن انتزعت دونه القلوب والأكباد.. السعودية التي تشكلت منذ قبل الحربين العالميتين ومروراً بهما لمعت في أشد الظروف التاريخية العالمية سوءاً وتقلباً، ووهبها الله قائداً استطاع أن يجعل دولته وشعبه أحد أكبر الرابحين مع انتهاء الحرب العالمية الثانية وتشكل النظام العالمي الجديد، يقول أحد دهاة السياسة في العالم وبطل معركة بريطانيا في الحرب العالمية الثانية وينستون تشرشل «الملك عبدالعزيز هو ذلك الرجل الذي لمع أكثر ما لمع في أحلك الأيام وأشد ساعات الأخطار الساحقة».

السعودية التي حافظ أبناء الملك عبدالعزيز من بعده على لمعانها ووميضها الذي لا يخبو اعترضت مسيرتها كثير من التحديات والعقبات، وكانت دائماً الدولة التي تتجلى وتحلق في أحلك الظروف وأشد ساعات الخطر، التي يظن أعداؤها أنهم فعلاً على وشك التمكن منها كلما أضرموا لها وحولها النيران فإذا بها تحلق كطائر الفينيق في عين الشمس بلمعان ووميض يقهر ويعمي الأعداء ويجلي ظلام الليل محلقاً للمجد والعلياء!

أثق في هذا الوطن الغالي وفي مسيرته المظفرة وفي المستقبل الزاهر الذي ينتظر أجياله القادمة، وإن هذا الوطن المقدس سينتصر كما انتصر دائماً على كل التحديات التي اعترضت مسيرته، وأنه وجد ليبقى وبني ليكون الأعظم والأجمل والأوفى والأشد لمعاناً أرضاً وسماءً وشعباً وقيادة ولن نرتضي به أو عنه بديلاً ولو نبحت عليه كل كلاب الأرض!

* كاتب سعودي