-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
الطرق والنقل بوسائله المختلفة أحد المقومات الرئيسية للتنمية والاقتصاد للدولة والمجتمع، ولعل هذا القطاع في بداياته كان أحد التحديات الكبرى بعد تأسيس المملكة، وهو نفسه أصبح أحد معالم نهضتها وشواهد تطورها الحضاري والتي لا تتوفر إلا بالدول المتقدمة.

قبل أيام دشن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- قطار الحرمين السريع واستقله إلى المدينة المنورة، وبعد أيام معدودات يبدأ التشغيل التجاري للقطار، الذي كان حلم وأمنية الملايين بربط المدينتين المقدستين مرورا بجدة وتحقق الحلم ولله الحمد، بطاقة كهربائية نظيفة، ويختصر أكثر من نصف زمن الرحلة وبأعلى مستويات الأمان والراحة للركاب ومعظمهم من ضيوف الرحمن، وفي هذا يطول الحديث عن منافع قطار الحرمين وقدرته على نقل 60 مليون راكب سنويا، والتخفيف من أرتال الحافلات على الطريق السريع بين مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة، وهو الأعلى كثافة في حركة الحافلات طوال العام، نظرا للمواسم الدينية المتصلة وذروتها موسم الحج.


الصورة المفرحة التي جمعت خادم الحرمين الشريفين بهذه الكوكبة الرائعة من المواطنين والمواطنات المؤهلين القائمين على تشغيل قطار الحرمين وإدارته في محطة القطار بجدة، أبلغ من أي كلام وتؤكد أننا تجاوزنا بل ودعنا حاجز انطباع خاطئ بأن شبابنا لا يريد إلا المكاتب المكيفة ودواما قصيرا ووظائف تفصيل، بل تأكيد إرادة التحدي والقدرة والجدارة بهذه الكوادر الوطنية في تخصصات عديدة إدارة وتشغيلا بمشروع القطار وللمحطات وفق أحدث النظم، وما سيتبعه من مشاريع مماثلة في قطاع النقل العام ومنها المترو داخل مدننا، كما هو جار تنفيذه بأروع تخطيط وأعلى مواصفات في العاصمة الرياض، وستلحق بها جدة، ويواكب ذلك وجود المعهد السعودي التقني للخطوط الحديدية في القصيم بتجهيزاته الأحدث، وهكذا نتخلص من عقدة الخبرة الأجنبية في التشغيل والصيانة.

جانب آخر أثق أنه حاضر في التخطيط لهذه المشاريع الحضارية الكبرى ونتمناه بالفعل، وهو مستقبل الحركة على المدى البعيد، حتى لا يأتي زمن تصبح فيه محطات القطار ومحيطها محشورة داخل مخططات سكنية، باختناق الطرق المؤدية إليها ذهابا وإيابا، كذلك التخطيط الدقيق لمشاريع النقل العام للركاب، ومنها المترو الداخلي بشكل ميسر وحضاري، وإجراءات صارمة لمنع عشوائية النقل التي يصبح بسببها الركاب رهن الاستغلال من سيارات أجرة أو خصوصي «تلقّط رزقها» كما يقال.

أخيرا هذه المشاريع المتطورة نعلم أنها تكلف عشرات المليارات، لكن نتمنى دراسات أكثر لقيمة التذاكر ومراجعة هادفة لها، فالأسعار المعلنة تعتبر عالية وتقترب من قيمة الرحلة بالطائرة، وتعادل ضعف سيارات الأجرة والنقل الجماعي تقريبا، والحسبة هنا ليست فقط في قيمة التذكرة لأن الراكب سيحتاج لتوصيله بالتاكسي وتلك تكلفة أخرى، ومن يسافر بسيارته بين جدة والمدينة مثلا، سيكون أوفر له في تكلفة البنزين ذهابا وإيابا، ناهيك عن تكلفة رحلة عائلية بالقطار لأربع أو خمسة أفراد تصبح السيارة أوفر بمئات الريالات، ولاننسى أن كثيرا من الزائرين تهمهم تكلفة السفر ولو كانت أقل عشرة أو عشرين ريالا للفرد.

بالمنظور الأوسع يعد النقل العام خاصة القطارات الأكثر أمانا والأقل تكلفة في العالم، ولا ننسى حاجة مجتمعنا إلى ثقافة استخدام النقل العام بدلا من خنقة الشوارع والمدن بالسيارات وإهدار الوقت وفاتورة الوقود على الجيب والبيئة.

* كاتب سعودي