-A +A
رامي الخليفة العلي
ما إن حدث الهجوم الذي استهدف عرضا عسكريا لتنظيم الحرس الثوري الإيراني، حتى راح نظام الملالي يوزع الاتهامات ذات اليمين وذات الشمال. بدأ بالموساد الإسرائيلي ثم انتقل إلى الاستخبارات الأمريكية وأخيرا وصل إلى دول المنطقة ودول الخليج على وجه التحديد. تتجاهل إيران عن عمد ما حدث ويحدث في إقليم عربستان الواقع جنوب غرب البلاد على شواطئ الخليج العربي، وهي تمارس سياسة التمييز العنصري ضد سكان هذا الإقليم من العرب. وتستخدم سياسات لتغييب الهوية العربية، وإذا ما حدث أي اعتراض فإن عقوبة الإعدام حاضرة في مواجهة المناضلين من أجل حقوقهم. من يبذر الشوك يجنِ الجراح، ومن يبذر الفتنة والطائفية والعرقية في دول المنطقة ومن يتدخل في شؤونها فلابد أن تصله شظايا سياساته ويحصد حصيلة أفعاله. ثم يخرج عليك مسؤول إيراني يتحدث عن كون الهجوم هجوماً إرهابياً، أي إرهاب في ظل كل السياسات التي تنتهجها إيران في المنطقة من تأسيس لميليشيات ارتكبت مجازر يندى لها جبين الإنسانية في سوريا وفي العراق، عن أي إرهاب وإيران جمعت المرتزقة من كل حدب وصوب ودفعت بهم إلى سوريا والعراق، أي إرهاب وإيران لم ترع في الشعبين السوري والعراقي وحتى في شعبها العربي إلّاً ولا ذمة. إيران آخر دولة في العالم يحق لها الحديث عن الإرهاب والإرهابيين، خصوصا بعد الوثائق الأخيرة التي كشفت عنها وسائل إعلام أمريكية أثبتت عن الصلات التي تربط بين منظمة الحرس الثوري الإرهابية ومنظمة القاعدة الإرهابية، وقد أشارت تلك الوثائق إلى تسهيل إيران لعناصر القاعدة المرور عبر أراضيها وقامت باستقبال عائلاتهم، كما عرضت على القاعدة تدريب عناصرها في معسكرات تابعة للحرس الثوري في البقاع في لبنان. ولا نستغرب أن تكشف الأيام والسنوات القادمة عن تغلغل استخباراتي إيراني في تنظيم داعش الإرهابي. لا بل إن هذا الأخير لم تسلم أي دولة يستطيع الوصول إليها من شره فكان يضرب في جهات العالم الأربع ومع ذلك لم يضرب إيران وهو الذي كان يدعي العداء الأيديولوجي لها. أما عن المنظمات التي تتبع مباشرة للولي الفقيه فحدث ولا حرج، حزب الله وصل إلى عولمة نشاطاته الإرهابية فهو موجود في كثير من الدول العربية ويدرب ويشارك في معارك اليمن ومن هناك يسعى للقيام بعمليات إرهابية في المملكة، وهو موجود في سوريا يبحث كما يدعي عن طريق القدس! ويرتكب الجرائم تلو الجرائم. وكذلك ميليشيات الحوثي الإرهابية وميليشيات الحشد الشعبي، وكل أذرع إيران الإرهابية.

لقد أثبت الهجوم مدى صبيانية نظام طهران فما إن حدث الهجوم وقبل أن تجف دماء الضحايا، وقبل إصدار الأمر ببدء التحقيق حوله، راح قادة النظام يلقون التهم. في كل البلدان التي تحترم ذاتها وتحترم مواطنيها تبدأ التحقيقات ومن ثم تنتظر النتائج وبعد ذلك تصدر الاتهامات، ولكن النظام الإيراني يريد أن يستغل هذا الحادث، ليس من أجل تنفيذ تهديداته الجوفاء، خصوصا أن النظام لا يألو جهدا في الاعتداء على جيرانه عبر المنظمات الإرهابية، ولكن النظام يريد أن يشد أواصر المجتمع الإيراني من خلال افتعال صراع مع عدو خارجي. إنه يعلم أن الأيام القادمة سوف تكون عصيبة عليه، والشعب الإيراني وعلى امتداد السنوات الماضية بات يتململ من الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية. والنظام يعلم أيضا أن فرض الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية سوف تكون شديدة الوطأة. كل هذا يجعل النظام يستعد لمواجهة أوضاع ليست اعتيادية. ويريد أن يقوي الجبهة الداخلية. وذلك يكون أمضى عبر افتعال صراع مع عدو خارجي.


من حيث المبدأ لا يمكن الثقة بما يصدر عن النظام الإيراني، وبالتالي أيا كانت الاتهامات التي سيصدرها فإنها لا تخرج عن البروبغندا المعتادة للنظام. وهو سيحاول أن يستفيد من الهجوم في تحقيق أهداف داخلية وخارجية. ومن المستبعد أن يحاول النظام معالجة الأسباب التي أدت إلى تهيئة الأجواء لحدوث مثل هكذا عمليات، لأن ذلك يستلزم تغييرا عميقا في سياسات النظام وهذا يبدو مستبعدا بحكم طبيعة النظام الطائفية والأيديولوجية. على النظام إذا ما أراد أن يحافظ على استقراره أن ينصف أبناء شعبه عبر إعطاء أبناء الأحواز العربية حقوقهم التي اغتصبها على مدى عقود طويلة، وأن يسعى إلى رفاه شعبه عبر إنفاق ثروة الشعب الإيراني لخدمته وليس للدخول في معارك وهمية لا ناقة للشعب الإيراني فيها ولا جمل، وعلى النظام أن يفكك الميليشيات الإرهابية التي أسسها وأنفق عليها من قوت شعبه وقام بتسليحها وتدريبها، وعلى النظام أن يبني حقيقةً علاقات حسن الجوار مع كل دول المنطقة وليس ادعاءات كاذبة. وإذا لم يفعل النظام ذلك وهو لن يفعل، فإن حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي تلف المنطقة لابد أن تصل إليه. ولعل هجوم الأحواز هو بداية الحصاد، وفي كل هذا على النظام أن لا يلومن إلا نفسه، فهو يشرب الآن من نفس الكأس التي لطالما سقى منها شعوبا ومجتمعات أخرى.

* باحث في الفلسفة السياسية، خبير في قضايا الشرق الأوسط

ramialkhalife@