-A +A
عبداللطيف الضويحي
لا أحد يبدأ من الصفر في عصر الأفكار المتنقلة والمبادرات الطائرة والتجارب العابرة للمجتمعات والثقافات والحدود والعقول. ولا أحد يقف عند نقطة البدء ويستغني عما لدى الآخرين من حلول وتطوير مستمر.

كل شيء له ثمن، فليس من المنطق إهدار الوقت والجهد والمال بالإعادة والتكرار، في حين يمكن البدء من حيث انتهى الآخرون.


قد يكون استفاد البعض معرفياً على المستوى الفردي من بعض التجارب العالمية، لكن الاستفادة على مستوى المؤسسات الحكومية والمؤسسات التجارية لا تزال محدودة ومتواضعة أو تكاد تكون معدومة بما لا تتفق مع أهمية تلك التجارب والمبادرات ولا ينسجم مع حجم حاجتنا الماسة لبعض تلك التجارب الرائدة في العالم.

الأسباب تتفاوت وتتعدد المبررات التي تحول دون الاستفادة القصوى من تلك التجارب والمبادرات على مستوى المؤسسات الحكومية والتجارية، لكن أبرز تلك الأسباب في ظني هو عدم وجود إدارة أو جهة مناط بها متابعة ودراسة ونقل التجارب الحيوية للمملكة. ناهيك عن بيروقراطية المؤسسة الحكومية ومحدودية وعدم نضج القطاع الخاص.

بالتأكيد هناك بعض المحاولات المتقطعة والمعزولة التي قامت بها بعض الوزارات خلال السنوات الماضية، لكنها جهود غير كافية وغير مستمرة ومحدودة في مجالات محدودة. ولهذا لم تترجم فعليا إلى الواقع أو تأخذ نصيبها الكافي من الدراسة وبالتالي الاستفادة الفعلية منها.

إن ما تعيشه المملكة من تحولات اجتماعية واقتصادية وثقافية، جعلها ورشة للعديد من المشروعات والمبادرات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة. وبرزت معها الحاجة للاستفادة من العديد من التجارب دون الحاجة للبدء من الصفر.

إننا بحاجة لأفضل الممارسات وتجارب الدول في مكافحة التصحر واستزراع الغابات والأحراش والحفاظ على البيئة والغطاء النباتي، وبحاجة لأفضل ممارسات وتجارب الدول في استيعاب الشباب وحمايتهم من المخدرات وفتح الآفاق أمامهم للشراكة المجتمعية، وبحاجة لأفضل الممارسات وتجارب الدول في الحفاظ على كيان الأسرة ومقوماتها وتفعيل دورها الاجتماعي والاقتصادي والحيلولة دون تصدع واندثار أقدم وأهم مؤسسة.

أننا بحاجة للاستفادة من أفضل الممارسات والتجارب في مجال تحول ثقافة المجتمع من الثقافة الزراعية التقليدية إلى ثقافة المجتمع الصناعي وتعزيز ثقافة الصناعة والتقنية. إن الإنسان هو الإنسان في أي مكان، فلا بد أن هناك في هذا العالم من واجه نفس المشكلات التي نتحدث عنها ونعاني منها، فما الذي يمنع من الاستفادة من تلك الممارسات والتجارب ليس كمستهلكين فقط وإنما كمتبنين وربما كمنتجين.

لقد حان الوقت للتفكير ودراسة إيجاد جهة على شكل هيئة وطنية تهتم برصد وتتبع أفضل الممارسات والتجارب بمختلف المجالات وفي مختلف دول العالم، وأقول كافة دول العالم وليس دولا بعينها، لأن هناك ممارسات وتجارب، تستند إلى حضارات وبعد حضاري، والاكتفاء بتجارب الدول المتقدمة فقط، سيجعلنا مستهلكين لجديد التقنية وهذا ليس هو الهدف الذي يتحدث عنه المقال.

إننا بحاجة لأن نعرف ونتبنى الممارسات والتجارب الناجحة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، تماما مثل حاجتنا لمعرفة وتبني الممارسات والتجارب الناجحة في الدول المتقدمة لكي لا نبقى كائنات استهلاكية إلى الأبد. ناهيك عن أن الدول الصناعية مهما كانت العلاقة معها، هي لا تريد أن تتعامل معك إلا كمستهلك دائم.

إنني ومن موقع عملي كأمين عام لجائزة تنموية عالمية، ومن خلال ما أطلع عليه من مشروعات عالمية رائدة في كافة مجالات التنمية، أستطيع القول بأن الحاجة وليست الإمكانات هي التي تفرز الأفكار والمشروعات الرائدة، سواء من الأفراد أوالجمعيات الأهلية أوالمنظمات أوالحكومات، فلذلك تدهشني باستمرار ترشيحات الهند و دول آسيا وأمريكا اللاتينية أكثر بكثير من غيرها في مشروعاتها ربما لأنها مجتمعات ما فتئت إلى الآن تقودها الحاجة لحل المشكلات الحالية بقدر ما تدفعها الطموحات للولوج إلى المستقبل.

إننا ومن خلال هذه الهيئة المقترحة يجب ألا نفوت فرصة للاستفادة من أفضل ممارسات وتجارب الدول والمجتمعات التي تمر بنفس ظروفنا من حيث التحولات، ولا يمنع أن نستفيد من ممارسات وتجارب الدول والمجتمعات التي تجاوزتنا بتجاربها مع تأكيدي على ضرورة الوعي بأهمية الاستفادة من تلك الممارسات والتجارب ليس كمستهلكين ونحن ندرس ونتبنى تلك الممارسات والتجارب.

هذه الهيئة سيكون من مهامها ليس فقط دراسة وتوطين التجارب العالمية ولكن أيضا توجيه تلك التجارب والممارسات والمبادرات إلى الجهات المتخصصة والمعنية للاستفادة منها مباشرة.

وكل عام والوطن ينعم بالأمن والرخاء والازدهار.

* كاتب سعودي