-A +A
نجيب يماني
وهذا ما أرادته مؤسسة مستشفى الملك فيصل التخصصي الخيرية (وريف) التي أطلقت أول صندوق استثماري وقفي مرخص طرحت فيه أسهمها للأفراد والمؤسسات ليذهب ريعها في (يد الله) دعماً للمرضى وتقديم العون للمحتاجين وعوائلهم إضافة إلى تمويل الأبحاث التي تعود منفعتها على الإنسان ليحيا حياة طبية، والمشاركة في رفع مستوى الوعي والإدراك ودعم الأنشطة الثقافية والعلمية والوقاية من الأمراض مع توفير الرعاية الطبية التخصصية للمحتاجين، فالتخصصي الذي يحيا ويعيش في عيون ولاة الأمر منذ النشأة والتكوين تضخم مع الأيام ليصبح مركزاً طبياً تخصصياً لعلاج الأمراض المستعصية وزراعة الأعضاء المختلفة ومركز أبحاث تسهم أبحاثه في تشغيل معامل العالم لإنتاج ما يسعد البشرية ويحارب أمراضها المستعصية وجامعة تعليمية ومعهد تدريب لأطباء الوطن وطبيباته وممرضاته. إضافة إلى مئات البرامج التدريبية التي تتوافق مع الرؤية المباركة للوطن وأهله 2030.

في إعلان ولادة صندوق الإنماء (وريف الوقفي) وَقَف الدكتور ماجد الفياض المشرف العام التنفيذي رجل المرحلة وابن المؤسسة الذي استطاع أن يقودها نحو عتبات مرحلة التحول الوطني بكل أبعادها الوارفة وفق خبراته التراكمية ليخبرنا (بأن الصندوق هو صندوق استثماري وقفي مفتوح ومطروح طرحاً عاماً توقف وحداته لصالح مؤسسة وريف الخيرية بالشراكة مع شركة الإنماء للاستثمار، يهدف الصندوق إلى تعزيز الدور التنموي للأوقاف الخاصة في دعم الرعاية الصحية عبر تنمية الأصول الموقوفة للصندوق واستثمارها بما يحقق مبدأ التكامل الاجتماعي ويعود بالنفع على مصارف الوقف ويتم توزيع عوائده النقدية بنسبة 70% من إجمالي العوائد المحصلة لصالح المؤسسة وهي تسعى لتكون رائدة العمل الخيري التطوعي لتقديم الرعاية الصحية لمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث من خلال رفع المعاناة عن المرضى وتوفير الخدمات الصحية التخصصية وترسيخ العمل التطوعي والخيري، وحث المجتمع على المشاركة وتعزيز مدى التكافل والتضامن وتقوية النسيج المجتمعي وتلمس احتياجاته والمساهمة في تنمية ونهضة المملكة بدعم الشرائح المستحقة للمساعدة المادية والاجتماعية والصحية لتحقيق رؤية المملكة المستقبلية وبالذات في مساهمة القطاع غير الربحي.


وضرب لنا الدكتور الفياض مثلاً بصندوق جامعة هارفرد الذي بلغت قيمته (36 مليار دولار) كأحد الصناديق الاستثمارية العالمية. ونحن كمسلمين لا نحتاج إلى من يذكرنا بأن خير الناس أنفعهم للناس، وأن كل معروف صدقة، وأنه يمكننا أن نتقي النار ولو بشق تمرة إلى غيرها من التعليمات النبوية التي تركز على المبادرة بعمل الخير والسعي الدؤوب إليه. فالقاعدة الصلبة التي قامت عليها أكثر المؤسسات المدنية في تاريخ الحضارة الإسلامية كمؤسسات الصحة والتعليم وغيرها اعتمدت على الوقف، فكلما زاد العمل الخيري وتعددت مصادره وزادت مؤسساته تعزز الاستقرار وتهيأت فرص الإبداع والابتكار وتعزز السِّلم الأهلي وتقَوَّت شبكة العلاقات التعاونية بين أبناء المجتمع (وليس أهداف وريف عن ذلك ببعيد) فالوقف من أعظم القربات إلى الله. ومن أهم السبل لبقاء الذكر الحسن واستمرارية وصول الأجر للواقف حياً وميتاً بل يسبقه إلى آخرته.

لقد كان أول مستشفى في تاريخ الحضارة الإسلامية بناه هارون الرشيد من أموال الوقف وبلغ عدد المستشفيات في عهده خمسة مستشفيات كبرى أنشئت من أموال الواقفين للمقعدين والعجزة وإمداد الأمهات الفقراء بالحليب والسكر وخاصة للمرضعات. هي فرصة لأغنياء الوطن والمقتدرين منهم ليسهموا بمبادراتهم الإنسانية تجاه مجتمعهم ويكون لهم دور كبير في دعم وريف، فليس هناك أشد وطأة من المرض وآلامه وعذابه. إنه واجب إنساني واجتماعي وهو من أعمال القرب المندوب إليها، وفي تاريخنا الإسلامي لم يكن أحد من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ذا مقدرة إلا وأوقف. وقد امتدح الله من أوقف فحبس العين التي هي الأصل وسبل الثمرة لفعل الخير والبر والإحسان إلى الغير.

(وريف) فرصة لإحياء سنة الأوقاف وفق مقاصدها الشرعية وعظيم أثرها على رفاهية الفرد والمجتمعات، ولعل الوقف طريقة إسلامية تقضي على تكدس الثروات في أيدي القلة واستئثارهم بها، يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام (تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تهمل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان...). فما ينفقه الإنسان الآن يجده حاضراً يوم ينقطع عمله فلا يبقى معه إلا ما أوقفه في حياته، ليس هناك أصدق وأنفع من وقف لا ينقطع ولعل مرض الإنسان وحاجته الدائمة للعلاج هو أنفع الأوقاف فهو بحكم العادة لا ينقرض فالمرض دائم والعلاج أمل.

* كاتب سعودي