-A +A
عبده خال
بعد عشرين عاماً من المعارك الدموية بين الجارتين الأفريقيتين (إثيوبيا وإرتيريا) كان الحل حاضراً في مدينة جدة لإنهاء تلك الحرب.. وهي حرب تداعت شررها منذ بداية الستينات، وفي كل فترة زمنية تتعمق المشكلة إذ لم تجد في المعاهدات والاتفاقيات أي نقطة توصل المتحاربين إلى لحظة سلام، وقد كانت الحدود هي لغة التماس، وهي نقطة الافتراق أيضا، وهي المشكلة التي أبقاها الاستعمار ولم يستطع القانون الدولي فك الاشتباك كون القانون لم يكن بإمكانه تطبيق المعاهدات الاستعمارية.. ومع كل فترة زمنية تنهض الحرب ولا تضع أوزارها.. سنوات طويلة انفك خلالها مئات الملايين وسفكت فيها الدماء والأرواح، وكان اتفاق جدة أمس الأول هو نهاية مضمار تلك الحرب.

ولأنها قضية أنهكت الدولتين وكذلك الدول المجاورة كان الشاهد على إنهاء معركة النفس الطويل هما منظمتان إذ حظيت بمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة وكذلك رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، وهاتان المنظمتان كانتا شاهدتين على الصلح وأعطت وهجاً للمصالحة كونها تحت شهادة منظمتين عالمية وإقليمية.


وبمصالحة الدولتين يكون ثمة التفات للدول المطلة على البحر الأحمر واستقرار المنطقة التي يجهز لها (قبل المصالحة) أن تكون ساحة للسيطرة من قبل دول عالمية وإقليمية أرست القواعد العسكرية في جهات مختلفة.. وكانت تلك الدول تحفز على الاختلاف بين دول القارة الأفريقية تحديداً الدول المطلة على ساحل البحر الأحمر، والمصالح بين الدولتين الأفريقيتين يمكن تهدئة أو اكتساب الدولتين المتصالحتين إلى جانب الدول الباحثة عن الاستقرار المائي في منطقة البحر الأحمر خاصة بعد تحرك تركيا وقطر لتثبيت دائرة لخنق السعودية من اتجاهات متعددة.

وبعيداً عن العمليات الاستباقية فإننا نجد أن المملكة كانت سباقة في نزع الفتيل بين دول عديدة لدرجة وصولها إلى مرتبة متقدمة لإرساء السلام والاستقرار العالمي تحديداً في المنطقة العربية، في السجل الدولي لعبت المملكة دوراً في أنهاء الكثير من المعضلات الناشبة بين الأقطار والقطر الواحد أيضاً، ونتذكر اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان مروراً بالمصالحة بين الفرقاء في فلسطين وكذلك في السودان والمبادرة في اليمن ومشاركتها في إسعاف مصر من استلاب الإخوان للسلطة وقبل ذلك ثمة منازعات كثيرة عملت على حلها.

وبمصالحة البلدين الجارين (إثيوبيا وإرتيريا) تكون السياسة الخارجية السعودية ذات حركية متقدمة للوقوف مع استقرار دول المنطقة، وبالتالي الوقوف مع استقرارها أيضاً.