-A +A
صدقة يحيى فاضل
يحفل العالم العربي بوجود كثير من «الأقليات» العرقية ذات الأصول غير العربية، والأقليات العقائدية، ذات الأصول العربية، وغير العربية. تقول بعض الإحصاءات إن عدد العرب قد بلغ مؤخرا نحو 400 مليون نسمة، يقيمون في المنطقة التي تمتد من المحيط الأطلسي غربا، إلى الخليج العربي شرقا. ولعل من أبرز الأقليات العرقية لديهم هي: البربر، الأكراد، الشركس، الأتراك، الفرس، الشيشان، الأرمن. ويقصد بـ«الأقلية» هنا: الأفراد الذين يحملون جنسية الدولة العربية التي يقيمون بها، والذين تعود أصولهم إلى أعراق مختلفة غير عربية، أو أنهم يعتنقون مذهبا مختلفا، محدود العدد أو قليل العدد نسبيا، عن مذهب الغالبية العربية، وسواء كانوا من أصول عربية أو غير عربية.

فهناك أقليات عرقية غير عربية، وهناك أقليات عقائدية عربية وغير عربية. ومن الأقليات العرقية البربر، ومن الأقليات المذهبية كل من: المسيحيين، الشيعة، اليهود، الدروز، العلويين، البهائيين، الصابئة، الايزيديين... إلخ. والدروز (Druze) هم طائفة عربية دينية شهيرة، قيل إنها انفصلت عن المذهب الشيعي في أواخر القرن العاشر الميلادي. وقد تأسست في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي (411هـ - 1020م) على يد محمد بن إسماعيل الدرزي. وهم يعتقدون بألوهية الحاكم بأمر الله، وهو أبو علي المنصور، ابن العزيز بالله الفاطمي. ويطلق الدروز على أنفسهم اسم «الموحدين»، أو «بني معروف»، نسبة لقبيلة عربية اعتنقت الدرزية منذ ألف عام.


ويعرف الدروز بالانغلاق على أنفسهم، وتماسكهم الاجتماعي والثقافي والسياسي. ويقسمون غالبا إلى 3 أقسام أو درجات: رجال الدين المحافظين عليه، المطلعين على الدين والدارسين له، عامة الناس. وهم يحيطون عقيدتهم بكثير من الغموض المقصود، ويحصرون معرفتها في دائرة ضيقة، ولا يسمحون بتعلمها إلا لمن بلغ الأربعين من العمر من أبناء الطائفة.

***

ويقدر تعداد الدروز الآن بنحو 2 – 2.5 مليون نسمة، يتواجدون في كل من سورية ولبنان والأردن وفلسطين. يعيش نحو 80% منهم في سورية، وخاصة في منطقة السويداء، وجبل الدروز، وجبل حوران. ويعيش في لبنان نحو 250 ألف درزي. ويقدر عددهم في فلسطين المحتلة (إسرائيل) بـ140 ألف نسمة، تقريبا.

وقد برزت في هذه الطائفة عدة زعامات شهيرة، منها: الحسن بن حيدرة الفرغاني، بهاء الدين السموقي. ومن المعاصرين: سلطان باشا الأطرش، أحد قادة الثورة السورية ضد الفرنسيين في عشرينات القرن العشرين الماضي، والأمير شكيب أرسلان، والزعيم السياسي اللبناني كمال جنبلاط، مؤسس «الحزب التقدمي الاشتراكي»، وابنه وليد جنبلاط، وطلال أرسلان، رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني».

***

وقد أثرت الثورة الشعبية السورية، التي اندلعت عام 2011، ضد نظام الأسد، كثيرا على الطائفة الدرزية في كل من سورية ولبنان. وانقسم زعماء الطائفة اللبنانيون بين مؤيد للنظام السوري (طلال أرسلان) ومعارض له (كمال جنبلاط). وبصفة عامة، بقيت الطائفة الدرزية في سورية على ما يشبه الحياد، رغم وجود قلة من أبنائها تقاتل في صف النظام الأسدي.

وللدروز في إسرائيل مكانة خاصة؛ إذ يعتبرهم نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل الحالي «قطعة من لحم اليهود»... فهي الطائفة غير اليهودية التي يسمح لأبنائها بالانخراط في الجيش الإسرائيلي، خاصة بعد أن أظهروا ولاء للكيان الصهيوني، وأخلصوا في الخدمة العسكرية. ومع ذلك، طالتهم عنصرية إسرائيل، كغيرهم من الطوائف غير اليهودية. وذلك بصدور قانون القومية (2018) الذى يكرس عنصرية إسرائيل، ويحصر حق تقرير المصير بإسرائيل في يد اليهود فقط. وقد غضب الدروز بشدة من هذا القانون، واحتجوا ضده، كغيرهم من الأقليات غير اليهودية. وما زالوا يطالبون بإلغائه.

ويضم الجيش الإسرائيلي، بكل ألويته، نحو 5 آلاف عسكري درزي، يعتبرون انخراطهم في هذا الجيش مصدرا للرزق، وتحسين الوضع المعيشي. وهناك قيادات درزية تدفع للانفصال عن الواقع العربي، والتعاون مع الصهاينة، بهدف الحصول على امتيازات مادية ومعنوية. ومنذ عام 1948 وأغلبهم يقاتلون مع الجيش الإسرائيلي، ضد الفلسطينيين والعرب. ورغم أن قانون إسرائيل يفرض التجنيد الإجباري على شباب الدروز، إلا أن هؤلاء يواجهون تفرقة عنصرية واضحة أثناء خدمتهم العسكرية، ولا يسمح بانخراطهم في أي مواقع حساسة في الجيش الإسرائيلي.

وبموجب القانون الإسرائيلي، تعتبر الطائفة الدرزية أقلية معتمدة ومقربة منذ العام 1957. وهناك قلة من الدروز تعتبر نفسها جزءا من العرب الفلسطينيين. ومن أبرز السياسيين الدروز في الكيان الصهيوني: أيوب القرار، عضو حزب الليكود، ومجلي وهبي، عضو حزب كاديما، وكلاهما له موقف سلبي تجاه الفلسطينيين وقضيتهم.

***

لقد تفانى دروز إسرائيل في خدمة الكيان الصهيوني بإخلاص، لدرجة إنكار ذاتهم، وتجاهل هويتهم العربية، وحاربوا الفلسطينيين والعرب في صفوف الجيش الإسرائيلي. وها هي إسرائيل تستبعدهم، وتتنكر لهم كما تنكرت للأقليات الأخرى بها، وتصر على «تهويد» الدولة، ووضع سكانها غير اليهود في درجات أدنى.

يبدو أن من يراهن على الصهاينة يبيع هويته، ولا بد أن يبوء بالخسران، عاجلا أو آجلا. فهؤلاء عنصريون يكرهون غيرهم، مهما تقربوا إليهم.

* كاتب سعودي