فايز
فايز
-A +A
فايز الغامدي fayez_gh@
هل يمكن تصوُّر أن يتم سؤالك من قبل عشرات الأصدقاء والأقارب دفعةً واحدة في اللحظة ذاتها: من أنت؟! هل أنتَ أنت؟! ذلك ما حدث لي فعلاً حين تم اختراق حسابي في «الواتساب» من قبل أحد «الهاكرز»، ومن ثمّ إرسال رسائل جماعية للمضافين لديّ تطلب منهم مبالغ مالية بدعوى وقوعي في موقف محرج يقتضي تحويل المبلغ في أسرع وقت. عندها لم يكن رد فعل مستقبلي الرسالة خارج حدود الدهشة أبداً، بل إن أكثر تلك الردود سخريةً ومفارقةً هي تلك التعليقات اللاذعة التي كان يتفوّه بها أصدقائي من حولي حينما كانت تصلهم رسائلي بينما أنا جالسٌ أمامهم! كل ذلك كان يحدث وأنا لستُ أنا، بل هو.. لم أخض تجربة مماثلة من قبل، أن أكون مسلوبَ «الأنا» حقيقةً لا مجازاً، وفي الوقت نفسه أحاول بكل جهدي أن أثبتَ للآخرين أنني لستُ أنا! كنتُ أطارد «أناي» المسلوبة، وأطردها عن الآخرين في الوقت ذاته! مؤكداً لهم أنني الآن هو، ولست أنا! بقدر ما كان ضميرا الرفع (أنا /‏ هو) هما البارزان في المشهد، بقدر ما غاب واستتر الضمير الأخلاقي في تلك الحادثة.. أن يصبحَ شخصٌ ما في ثوانٍ «أنت»، أن تصبح «أنت» بعد ذلك مشغولاً في البحث عن ذاتك ونفيها في آنٍ معاً، متأهباً بالإجابة المسبقة لكل سؤال استنكاري: أنا لستُ أنا، بل أنا هو! حينها تدرك أن الضمائر المنفصلة لها من اسمها نصيب، وأنها تمارس دورها الآن بأقسى ما يكون. تمنيتُ حينها أن أجيب كل من سألني هل هذا أنت؟، قائلاً: هل يكفي أن تسمع صوتي؟ أم ينبغي أن تلمسني لتتأكد.. لا تقلق يا عزيزي إنه أنا! لم يدرك ذلك «الهاكر» حتماً إلا بُعداً واحداً للهوية الشخصية، هو الاسم، أو ربما أدرك ذلك ولكنه لم يشأ أن يتعمق أكثر في لعبة الانتحال المخيفة تلك. كان «الصوتُ» هنا، بوصفه أقدم وسيلة للتعبير استخدمها الإنسان، هو الأصدق في وصف ما يحدث، عاد الصوتُ باعتباره وسيلة بدائية في التعبير للواجهة مجدداً أمام أحدث وسائل التواصل الاجتماعي.. وحده «الصوت» كان الأكثر أماناً وموثوقية لتوضيح ما يدور، ومن يدري؟ ربما طوّر «الهاكرز» مستقبلاً أدواتهم لانتحال ما هو أبعد من الصوت، الجسد مثلاً، أن يتلبس الهاكر جسد الآخر، فيقفزَ به في كلِّ طريق، محققاً ما هو أكثر من المال، وأشد فتكاً وتدميراً..!