-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
ما شعورك وإحساسك إذا فوجئت بصورتك واسمك في بورصة التشهير الإلكتروني المؤذية، وتعليقات من عشرات ومئات وآلاف وما لا تستطيع حصره من البشر الذين يبيعونك بكلمات مؤذية عن جهل ودون تثبت ولا يقين بأنك ضحية حقد حاقد ومكيدة كائد؟! وأين عقلك إذا كان أحد أفراد أسرتك، أو أقاربك ضحية نفوس خسيسة مشوهة على شبكات التواصل؟!

الشائعات والتشهير على الشبكة العنكبوتية لا أول له ولا آخر، ويمس أشخاصا عاديين أو اعتباريين ومشاهير، ويدمر أسرا، ويضر بشركات ومنتجات، والحقيقية الأكيدة في هذا الغثاء هي غياب الحق وضياع الحقيقة وسقوط الأخلاق بتلويث سمعة بشر، أبشعها قذف محصنات والنيل من أخلاق وكشف أستار بسلوكيات مؤذية نهى عنها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.


هذا على المستوى الشخصي وما أصعب وأخطر تدميرا للإنسان من تشويه سمعته عندما يلوكها البعض عن جهالة، وما أكثر الجهل والجهلاء الذين يتلقفون ذلك القبح ويتهافتون على فضح أناس بالنميمة الإلكترونية التي تسري كالنار في الهشيم، وكأن هؤلاء لا شغل لهم إلا الإساءة والتشويه، ومن لا يشارك في تلك المهازل قد يكون من مدمني الفرجة واتباع العورات في دهاليز المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل وعبر رسائل الواتس وجروباتها التي معظمها تنتعش بتبادل مشاهد ساخرة أو فضائح، أما المفيد من المعلومات فمصيره قلب الوجه عنها.

نذكر أيام زمان كانت القيم والأخلاق هي الحاكمة لسلوك الشخص والمجتمع، ويحرصون على سمعة الناس بحرصهم على التقوى والخشية من السميع العليم، وأن كل إنسان له وعليه، فكما تدين تدان، وكان أهلنا يدعون بالستر لهم ولغيرهم في الدنيا والأخرة، ويحرصون على ذلك تجنبا لما حرم الله من الغيبة والنميمة وفضح البشر حتى لو كان الخطأ واقعا من شخص ارتكب محرما، كما كانوا كبارا في عدم تداول ذلك أمام الأبناء والبنات ويتعففون عن الألفاظ الجارحة والخارجة عن الحياء، واليوم وبكل أسف يقع بعض الكبار قبل الصغار في المحظور، ويغيب عنهم قول الحق تبارك وتعالى «ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم».

التشهير بقدر ما يؤلم ضحاياه، إلا أن الخطر الأكبر يكمن في هدم أخلاق المجتمع عندما تصيبها تلك الآفات في مقتل، وكما قال الشاعر:

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم

فأقم عليهم مأتما وعويلا

للأسف يروق للبعض إيذاء الآخرين بطرق ملتوية ظنا وطمعا في مكسب لمال أو كثرة أصدقاء أو شهرة بينما في الحقيقة يخسر نفسه، ويجرم في حق الدين وحق المجتمع بإضاعة القيم العامة وتلويثه بسموم التشهير، وعندها يسهل تمرير شائعات بحق البعض وحتى بحق الوطن من حاقدين وماكرين ومتربصين ببلادنا وتشويه كل جميل وإنجاز فيه.

إنها أم المصائب عندما تغيب أو تتشوه قدوة الوالدين، وعندما نغفل التوعية الدينية والتربوية والإعلامية. وعندما يعتقد البعض لنفسه حرية مطلقة، فلا حرية بالمطلق في أي مجتمع وإلا سادت الفوضى والهدم، ولا حرية دون مسؤولية وحقوق وواجبات، وما لا ترضاه لنفسك كيف ترضاه لغيرك، وقيمة الإنسان في إحياء الأخلاق وحراستها في نفسه وتجاه المجتمع والأجيال وهذا هو الحصن المنيع الذي يميز الغث من الثمين في كل عصر وكل حين، والعقوبات الرادعة لكل مشين.

* كاتب سعودي