-A +A
منى العتيبي
بعد أحداث 11 سبتمبر حدثت ردة فعل في المجتمع الفكري العربي، ارتفعت فيه أصوات النداء بالتعددية الثقافية الفكرية كحراك إصلاحي. ورأى الكثير من مفكري العرب أن المخرج الحقيقي لأزمة التطرف والتشدد الفكري في المجتمع العربي والإسلامي هو صوت التعددية الفكرية وقبول الآخر بخيره وشره في ظل احترام حدود الخصوصية المجتمعية، واعتلت المنابر والصحائف أصوات وأقلام قبول الآخرين؛ حتى انطلقت الأبحاث الأكاديمية وغير الأكاديمية في البحث عن مفهوم التعددية الفكرية وتأصيلها الشرعي، كما انطلقت أصوات الفلاسفة بهذا الشأن وفلسفها الأغلب منهم بأنها روح الإنسانية وفطرتها الكونية، كل ذلك أرادوا به مواجهة حركات التطرف والتشدد والتصدي لمخاطرها القادمة.

نعم ليس الآخر هو الشر المطلق، ولكنه أيضاً ليس بالخير المطلق، هذه الورقة للأسف سقطت من حسابات مَن نادوا بالتعددية وإشاعتها، نسينا للأسف مرة أخرى مع هذه المواجهات أن للتعددية الفكرية وجهاً آخرَ مظلماً استطاع من خلاله أصحاب الأيديولوجيا والأحزاب والأهداف السياسية -كجماعة الإخوان تحديداً- استغلالها واختراق المجتمعات بحجة التعددية الفكرية ونشر أهدافهم والتوغل في بث أفكارهم والسيطرة على المنابر والمحابر بحجة نشر ثقافة التسامح الفكري المجتمعي، استغلوا الوجه اللطيف للتعددية الفكرية في التسامح مع الآخر في ظل حدود الاحترام للموقف الفكري والإيمان بحرية الرأي والفكر الذي يضمن للمجتمعات العربية تطورها الثقافي في المجتمع وصناعة الاحترام المتبادل الذي ينمي من أخلاق المجتمع ويخلق حالة من التسامح الفكري بين الجميع.


لا أزايد على أن التعدد الفكري حقيقة أزلية وفطرة إنسانية أقرّتها الرسالة الإسلامية الإنسانية منهجاً وليست شعاراً فارغاً. منهجاً يحترم فيه كافة الأطياف الفكرية ويتعايش معها بسلام، ولا أُزايد على أن التعددية أذابت صوت الأحادية ويعود لها الفضل في الموازنة بين كافة المناهج الفكرية دون تسلط أحدها على الآخر، ولكن كما للقمر وجهه المضيء له أيضاً جانبه المظلم، لذلك لا بد أن يحضر العقل الناقد مع التعددية وأن يسير معها في تجاه واحد لحماية منهجها من استغلال الجماهير عن طريقه، العقل الناقد وإتاحة الفرصة للرأي الآخر الناقد حالما يسير مع التعددية الفكرية نحو طريق موازٍ له هو بمثابة البناء للتعددية ومساعدة منهجها على الثبات، فجماعة الإخوان المسلمين مثلاً التي ساعدتها الأحادية على التمكن والانتشار ترى بأنها أيضاً تستطيع استغلال التعددية بالدعوة إلى التعايش حتى تصل إلى السلطة وتتمكن منها فتنقلب عليها وتفرض أحاديتها بالتالي على الجميع.

للتعددية الفكرية بوابة أخرى يمكن من خلالها أيّا من كان استغلالها ليزرع في طرقاتها من كل ما لذ وطاب له من مذاقه الخاص ويسقيها من عبث بنات أفكاره ثم يبيع نباتها وبذرها لمن يشاء ممن يستهدفهم؛ فلنحذر من هؤلاء وننشر التعددية ونحن على الوعي التام بأن الآخر ليس الشر المطلق ولا هو بالخير المطلق.

* كاتبة سعودية

fanarm_7@