-A +A
هاشم عبده هاشم

* لا حل للمشكلة اليمنية.. ما لم تخرج إيران من سورية واليمن ولبنان والعراق

* تعطيل التشكيل الوزاري في لبنان.. يعرض لمزيد من الانهيار الاقتصادي


* الصراع بين تكتلي الصدر والعامري يقود البلاد إلى حرب أهلية خطيرة

* وجود «حفتر» خارج أي تسوية في ليبيا يجعل الاستقرار في البلاد صعباً



•• عندما ندخل اليوم العام 1440هـ، فإن تاريخاً هجرياً جديداً يُكتب لهذه الأمة عربية كانت أو إسلامية.. وعلينا أن نتوقف - بكل شجاعة - عند هذا المفترق من تاريخ الأمتين استشرافاً للمستقبل في قراءة أمينة.. ودقيقة.. وعقلانية.. وهادئة.. انطلاقاً من الواقع الصعب الذي عاشته الأمتان، ولاسيما في السنوات الأخيرة.

•• ولعل المؤشر الأول والأبرز الذي أراه الآن ماثلاً أمامي يقود إلى المزيد من التشاؤم في وقت نتطلع فيه جميعاً بأمل عريض في أن تؤول فيه الأمور إلى وضع أفضل مما هو قائم الآن.. أو مما تشي به المؤشرات الراهنة بعيداً عن التفاؤل بإمكانية حدوث تغيير «دراماتيكي» غير متوقع في أي لحظة من العام الجديد الذي يحل علينا اليوم.

•• هذا الأمل يظل موجوداً.. لأن هناك عملاً جاداً وحثيثاً وهادئاً تقوم به بضع دول تتقدمهم المملكة لإطفاء حرائق المنطقة.. وبدء مرحلة جديدة من العمل الجاد والمخلص والبناء لمراجعة حسابات الماضي. وتصويب الأوضاع في ضوء قراءة عميقة لكل الأحداث والتطورات التي عصفت بالجميع خلال السنوات الثمان الماضية دون استثناء. وأثرت على جميع الأوضاع في دول الإقليم تأثيراً مباشراً، وإن تفاوتت درجاته من دولة إلى أخرى تبعاً لطبيعة أوضاع كل دولة إن على المستوى الاقتصادي.. أو الأمني.. أو الاجتماعي.. أو السياسي..

موجة الإرهاب وزعزعتها للاستقرار

•• فمنذ تعرُّض أفغانستان للغزو السوفيتي عام (1979) وما ترتب على ذلك من أحداث وتطورات بدأت بالزج بالأمة في تلك المعركة.. وحتى استيقاظ العالم أخيراً وتنبهه إلى مخاطر تلك المأساة المبكرة.. وتشكيله التحالف الدولي (بمشاركة المملكة الفعالة فيه) لمواجهة الإرهاب وما بينهما من كسر شوكة «القاعدة» وتصفية «أسامة بن لادن» وكبار قادة التنظيم، ثم ظهور تنظيم «داعش» بقيادة البغدادي كوجه آخر للإرهاب القائم على العنف وتفجير المجتمعات من داخلها بخلق تناقضات حادة بين أبنائها ثم باحتلال أجزاء من أراضي الدول كما حدث في العراق الشقيق.. وبالانتشار في أوطان عربية أخرى مما أوجد أزمة ثقافية حادة بين شعوبها وفي أوساطها..

•• منذ ذلك الوقت وحتى الآن.. فإن الأمتين العربية والإسلامية تعانيان كثيراً.. وإن شاركتنا بعض دول العالم في تحمل وطأة هذا الخطر الداهم بما وقع فيها من أحداث دامية، كما وقع في فرنسا وبريطانيا وألمانيا وأمريكا وفي غيرها. وإلا فإن المنطقة العربية وفي مقدمة دولها المملكة كانت الأكثر تعرضاً لجرائم هذا الإرهاب الذي قصد به «الإجهاز» على هذه الأمة من داخلها تمهيداً لتحقيق مشاريع توسعية على حسابها وفق خطط وتوجهات خطيرة من شأنها إعادة رسم خارطة المنطقة من جديد..

•• أما مَنْ وراء هذا المخطط التصفوي فإنه يمكن القول إن أطرافا دولية وإقليمية بعينها شاركت فيه وفقاً لحسابات ومصالح خاصة بها.. وإن كان الوضع الآن بات مختلفاً بعد أن فشلت تلك الأجندات بفعل تماسك بعض دول المنطقة الكبرى كالمملكة وجمهورية مصر العربية رغم ما لحق بنا وبهم من أضرار لم تزدنا إلا إصراراً على الصمود وتعزيز القدرات الذاتية والحرص على أوطاننا.

•• صحيح أن الإرهاب ما زال موجوداً في منطقتنا وفي أكثر من صورة.. وموقع.. وشكل.. وأن تهديده لأوطاننا ما زال يرتب علينا الكثير من العمل ضده.. بتحصين دولنا من الداخل وتعزيز قدرتها على الوقوف أمامه بقوة السلاح وبمزيد من التماسك الثقافي وتعزيز الانتماء للأوطان ومحاربة الأجندات الساعية إلى تمزيق صفوف الأمة وصرفها عن ثوابتها.. وأصولها.. ومصادر قوتها الحقيقية.. وذلك بالعمل الجاد على إسقاط جميع المشاريع المطروحة الآن لتغيير هوية شعوبنا.. وفرض أمر واقع جديد يتعارض مع مكتسبات الأمة وتاريخها العظيم.

كلفة الاستمرار وإعادة البناء

•• ولا شك أن ذلك الواقع الذي فرضته موجة الإرهاب علينا من جهة.. ونشاط بعض الدول الملحوظ للتدخل في شؤون دول وشعوب المنطقة.. عرباً.. ومسلمين.. وأفارقة.. وسواهم، كما تفعل إيران.. ومن يقفون إلى جوارها في الإقليم وخارجه.. لاشك أنه قد رفع تكلفة المواجهة، وأنه لولا قوة الاقتصاد السعودي وحيوية الإجراءات التي نتخذها لتنويع مصادره والعمل الدؤوب لتجفيف عروق الأزمات والحروب في المنطقة - بقدر الإمكان - لما فيه خير وصالح الشعوب وأمان واستقرار دولها ومنطقتها، لكانت المشكلة أكثر حدة وأعظم إيلاماً للجميع..

•• يحدث هذا- من موقع قوة - ووفق حسابات دقيقة بهدف الابتعاد بالمنطقة عن دفع المزيد من التكاليف.. والنأي بها عن كل صنوف الاستجابة للاستفزازات المتواصلة التي يمارسها الطرف الإيراني ليس فقط ضد المملكة بما يحدث باليمن وباستخدام أتباعه الحوثيين ومن يدعمونهم من حزب الله اللبناني لمواصلة إرسال صواريخهم الباليستية إلى سماء المملكة يومياً، وإنما ضد سائر دول وشعوب المنطقة تماماً كما يحدث في العراق الآن.. وكذلك في لبنان وسورية وليبيا، مع كل أسف..

•• ومن طبيعة الحروب والأزمات أن تخلف وراءها كلفة عالية يتحملها الاقتصاد وتعاني منها البلدان كثيراً.. لكنها تصبح كلفة طبيعية وضرورية لدرء أخطار أكبر ستترتب عليك إذا أنت لم تتخذ مواقف جادة ووقائية ومتعددة الأبعاد لتصون أمنك وسلامتك من جهة.. وتمنع تسرب أو اقتراب الخطر منك.. أو تراخيت في مواجهته.

•• وما يحدث الآن هو: أن المملكة تتحرك بفعالية وفي كل اتجاه أملاً في تحقيق الاستقرار والعودة بالمنطقة إلى حالة الأمان طويل المدى.. وبالتالي فهي تتحمل الكثير من الأعباء شأن أي مواجهة للأخطار الكبرى التي تواجه الدول والأوطان.

•• سياسياً.. لم نتأخر عن دعم وتشجيع كل عمل إيجابي بناء لإعادة السلام إلى اليمن وسورية والعراق وليبيا وغيرها بالعمل مع الدول والهيئات والمنظمات الدولية الفاعلة رغم العقبات الشديدة والمصالح المتداخلة التي تبطئ في الوصول إلى نتائج نهائية سريعة وعاجلة.

•• واقتصادياً.. فإنها تعمل بقوة على تحقيق التوازن في مسيرة الاقتصاد العالمي.. وفي هذا الاتجاه، فإنها قد تضحي بشيء من مصالحها الفورية من أجل تحقيق مصالح دولية أكبر نفعاً.. وذلك بما تتخذه من سياسات بناءة في حقل البترول، إنتاجاً.. وتصديراً.. ووفرة في أسواق العالم دعماً للاقتصاد العالمي على الثبات والاستمرار قوياً صونا لمصالح الجميع..

•• وكما يحدث أيضاً جراء الشراكات الكبيرة التي أبرمها سمو ولي العهد مع أكثر من دولة للحفاظ على معدلات نمو عالية جراء توسيع نطاق الاستثمارات المتبادلة مع الجميع.. وفي مقدمتهم دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة وروسيا والصين واليابان وغيرها.

•• في الوقت الذي يتواصل فيه العمل على صناعة المستقبل الجديد على مختلف الأصعدة.. وإن احتجنا الى مزيد من الجهد والعمل على المستويات الحيوية الأبرز مثل مجالات الصحة.. والتعليم.. والتنمية البشرية.. على وجه الخصوص، بالرغم من عظم تكاليف الأحداث والتطورات التي تشهدها المنطقة.. وهو الوضع الذي يفرض علينا باستمرار مستوى عالياً من العمل الخلاق تحقيقاً للتوازن بين مواجهة واقع مفروض عليك.. وبين احتياجات نمو ملحة.. وبين تأمين مستقبل جديد للأجيال المتعاقبة أيضاً، وهو التحدي الكبير الذي نخوضه الآن.. ونسعى للوصول إليه في النهاية.

العمل المطلوب على مستوى الداخل

•• هذه الحقائق وتلك.. سواء في جانبها الأمني.. أو الاقتصادي.. أو السياسي.. تتطلب ولا شك المزيد من الصبر والتحمل والمراجعة المستمرة لكل خطوة ولكل برنامج لضمان الاستمرار في العملية بكاملها وعلى كل الأصعدة.. سواء من قبل الدولة.. أو من قبل القطاع الخاص.. أو من قبل المواطنين. وهي حالة طبيعية مرت وتمر بها الدول في ظل وجود أزمات.. وبالذات بالحجم الذي نراه في منطقتنا.. وليس هناك مبرر للعودة إلى الوراء بقدر ما نحن بحاجة إلى تضافر الجهود، والالتفاف حول بعضنا البعض، والعمل بإخلاص على زيادة الإنتاج ومراجعة كل ما له علاقة بتمهيد الطريق إلى المستقبل الأفضل.. وتعزيز الثقة بين أجهزة الدولة وبين مؤسسات القطاع الخاص لزيادة معدلات الإنتاج والتوسع في الاستثمارات ودعم وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة وإزالة العقبات التي تقف أمام تفعيل دور هذا القطاع، لرفع الناتج المحلي في الدخل الوطني.. وتطوير الإجراءات.. ورفع كفاءة العمل الحكومي لمضاعفة الإنتاج وتيسير كل ما له علاقة بصرف المستحقات لأصحابها.. وإن كنت أرى أن هناك دوراً مهماً.. ورئيسياً.. ومحورياً.. للبنوك في المشاركة في عملية المراجعة هذه.. وتقديم المزيد من التسهيلات.. ودعم حركة البناء والتطوير.. وتوجيه جزء كبير من الأرباح المتحققة لصالح أوجه الإنعاش المطلوبة.. وبما يساعد على توفير السيولة.. وضخ المزيد منها في عروق التنمية المتعددة الأبعاد تجنباً لحالة الركود التي تمر بها دول أخرى في هذا العالم بالرغم من أنها لا تواجه مشكلات معقدة كما تواجهها دول الإقليم في منطقتنا الملتهبة.

•• ويمكن لمثل هذا الحراك.. أن يثمر عن الكثير من الحيوية والنشاط.. كما أنه كفيل بتحقيق نقلة نوعية لبلادنا على مختلف الأصعدة، وبالذات إذا هو أسفر عن المزيد من الفرص الوظيفية المتاحة لاستيعاب المواطنين.. والحد من مشكلات البطالة.. بما يتفق مع خطط وبرامج الدولة في هذا الاتجاه بشيء من التضحية من قبل القطاع الأهلي ببعض مكاسبه لصالح إعداد وتأهيل المواطن لتحمل أعباء المرحلة بكفاءة.. وكذلك بتعزيز الثقة في المواطن وتمكينه من العمل في مختلف المواقع ومنحه المقابل الذي يستحق.. والاحتفاظ (فقط) بعناصر العمل الوافدة الضرورية والخبيرة أيضاً.. والصبر لفترة معينة من الزمن.. لتحقيق المردود المطلوب.. دون تضحيات كبيرة.

•• وإذا نحن مضينا في هذا الاتجاه.. وقدم القطاع الخاص لهذا الوطن ما ينتظره منه.. بعد تهيئة الأسباب التي تساعده على ضخ المزيد من أمواله في تنمية أرجاء وطنه.. من تسهيلات مالية.. وتوسيع عريض للفرص الاستثمارية.. ومن صرف للاستحقاقات في المكان والزمان المناسبين.. وجعله شريكاً ومنافساً قوياً مع المستثمر الأجنبي.. فإن الحركة.. الاقتصادية هي المستفيد الأكبر في النهاية..

•• وذلك يتطلب عقد لقاءات رفيعة المستوى بين الدولة وأصحاب رؤوس في القطاعات المالية والنقدية والتجارية.. تكون على درجة كبيرة من الشفافية.. بهدف التوصل إلى حلول للمشكلات.. ووضع النقاط على الحروف.. تمهيداً لضخ المزيد من الأموال في السوق.. والمشاركة بفعالية أكبر في تنمية الوطن من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه.. بالتركيز على تهيئة الخدمات والاحتياجات الأساسية.. ومعالجة المشكلتين الرئيسيتين الموجودتين في مجالي التعليم والصحة.. والتوجه نحو المستقبل بكفاءة عالية وقادرة على استيعاب رؤى الدولة الحيوية الجديدة.

•• وفي هذا الصدد فإني أرى أن هذين القطاعين مثقلان بأخطر المهام وأعقدها في كل الأوطان.. وإن إعادة النظر في أوضاعهما بصورة مستمرة كان وما زال وسوف يظل هاجس كل الدول والأوطان.. ومظهر صحة لأن جميع الخطط والبرامج والأحلام والآمال والطموحات لأي بلد تعتمد على مدى كفاءة هذين القطاعين الكبيرين.. والمهمين..

•• وأنا لا أقلل بهذا من شأن بقية القطاعات الأخرى كالصناعة، والتجارة، والبترول، والبيئة، والتنمية الاجتماعية.. لكنني أقول إن تقدم الدول والمجتمعات يتوقف أول ما يتوقف على مدى قدرة التعليم على إنتاج مخرجات عالية المستوى ومتنوعة وملبية لحاجات الأوطان في الرقي والتقدم.

•• وبنفس الدرجة من الأهمية، فإن المستوى الصحي للشعوب يؤثر تأثيراً إيجابياً أو سلبياً في قدرة الدول على الاستمرار والنماء.

•• وبالقدر الذي نوليهما فيه من الاهتمام.. وبالقدر الذي نوفره لهما من الإمكانات.. بالقدر الذي نستطيع أن نحصل على بلد في مستوى الأحلام الكبيرة المرسومة له بعناية.

إعادة التخطيط لبعض الوزارات

•• هناك حقيقتان لابد من التسليم بهما هما:

- أولاً: إن تجميع وتوحيد وربط الوظائف والمهام ذات العلاقة مظهر من مظاهر الرقي والتقدم لأي مجتمع يهدف إلى تحقيق عوائد عالية المستوى منعاً لتعارض وتصارع الجهات نتيجة تداخل صلاحياتها مع بعضها البعض.

- ثانياً: إن عنصر الوقت مهم للغاية لتحقيق نقلة نوعية في أي بلد طامح إلى المستقبل الأفضل..

•• وفي تصوري أن هاتين الحقيقتين كانتا ماثلتين أمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز منذ تسلم الملك مقاليد الحكم بما يتطابق مع رؤيتهما للمستقبل المراد تحقيقه، اختصاراً للزمن ومنعاً لتضارب الصلاحيات وتداخلها بين الهيكل الوزاري المعتمد..

•• وهي نظرة سديدة.. وصحيحة.. ومنطقية.. وعملية.. تقوم على جمع وتوحيد الصلاحيات في الموقع الواحد.

•• لكن ضخامة المشكلات التي واجهها قطاعا التعليم والصحة على المدى الطويل بدت الآن وكأنها بحاجة إلى جهود ضخمة.. وجبارة.. وخارقة.. لمعالجتها في المرحلة القادمة بصورة أشد.. وأقوى.. وأكثر مايكروسكوبية.. لأن بعضها بلغ درجة من التعقيد.. يستحيل مواجهته.. وحله وفقاً للمنطق العلمي.. وللرؤية الحضارية المأخوذ بها في كثير من دول العالم..

•• فالتعليم العام مثلاً.. مر بمراحل من التردي أوصلته إلى درجة من الضعف والتهالك حتى قبل أن يربط به تعليم البنات.. وعندما أصبح تعليم البنين وتعليم البنات في وزارة واحدة.. تضاعفت المشكلات.. وتعاظمت الهوة.. وتضرر المستوى العام لمخرجات المؤسسة التعليمية.. فانعكس كل ذلك على التعليم العالي وأصبح مستواه امتداداً لذلك المستوى الضعيف، وكذلك المتأثر بتوجهات خفية بدأنا نشعر بها مؤخراً.. ونكتشف خطورتها على مستقبلنا.

•• كما أن التعليم العالي الذي تحول إلى مدارس كبرى لخريجي التعليم العام فقد طابعه العلمي والأكاديمي وتأثرت وظيفة البحث العلمي فيه كثيراً لأنه وجد نفسه مضطراً للتعامل مع مخرجات ضعيفة ومهزوزة وغير مهيأة للارتقاء بمستوى التفكير إلى مرحلة التعليم العالي..

وزادت المشكلة عمقاً عندما ربطت كليات التربية به بعد أن كانت جزءا من التعليم العام.. ونحن نعرف كيف تكونت كليات التربية بداية ثم كيف تحولت مدارس التعليم العام إلى صفوف دراسية (مهترئة) بعد أن وجه خريجو الجامعات من (حملة البكالوريوس) للعمل بالتدريس بمراحل التعليم العام المبكرة، دون إعداد، أو تدريب، أو تهيئة لوظيفة التدريس وبما ترك أثراً سلبياً قوياً على مخرجات التعليم بشكل عام، والمرحلة الابتدائية بصورة خاصة..

•• وبدلاً من أن تقوم الجامعات بأداء وظائفها العلمية والبحثية على أكمل وجه فإنها وجدت نفسها مسخرة لمعالجة مشكلات مخرجات التعليم العام مما استنزف طاقات أعضاء هيئة التدريس، بل أضعف مستويات أدائهم.. ووجدوا أنفسهم أمام مخرجات ضعيفة لا تجيد سوى «التلقين»، حيث خلت المكتبات الجامعية منهم.. وتحولت صالات المحاضرات إلى حصص دراسية تلقينية لا تختلف عما يحدث في فصول مدارس التعليم العام كثيراً..

•• هذا الوضع الذي عاشه كل من التعليم العام والتعليم العالي أوجد قناعة لدى الكثيرين تفهمته الدولة وعملت على تقليص آثاره السلبية بدمج مستويي التعليم (العام والعالي) في وزارة واحدة.. كإجراء بدا منطقياً لتجسير الهوة بين التعليمين..

•• لكن ما حدث هو:

•• أن ضخامة المشكلات التي ورثها كلا النظامين.. بدءا بالخلل في سياسات التعليم التي سمحت بتسرب التيارات الخفية إليه، وانتهاء بتضرر التعليم العالي من مخرجات التعليم العام.. أعطت الانطباع الآن بأن تلك المشكلات أكبر وأشد تعقيداً من أن تحقق الأهداف العليا المرسومة لدمج المنظومتين في وزارة واحدة جراء ضخامة تراكمات الفترات الطويلة الماضية وضرورة الحاجة إلى إعادة فصل كل منهما عن الآخر.. في ضوء دراسات علمية عميقة للواقع بكل جوانبه.. لإقامة مؤسسات تعليمية قوية جديدة تُدار بعقلية العصر.. وتهيئ للعودة إلى فكرة الدمج مرة أخرى في مرحلة ما بعد المعالجة العلمية الجذرية وتنقية العملية كلها مما شابها من عيوب وما تخللها من أخطاء وما ترتب عليها من ضعف الناتج العلمي. وأثر كل ذلك على تنمية الوطن وتطويره.. وجعل مخرجات هذا التعليم أضعف من سد احتياجات الوطن ومؤسسات العمل فيه، مما أفرز مشكلة التوسع في الاستقدام وضاعف مشكلة البطالة ووضع الكثير من العقبات أمام طموحات الدولة في الوصول بهذا البلد إلى مستوى حضاري متقدم.

•• والهدف من فكرة إعادة الفصل هو بعد توفر رؤية علمية منهجية تحدد أهداف ووظائف ومهام كل منهما بدقة متناهية بحيث تصب مخرجات التعليم العام في مؤسسات التعليم العالي بنجاح وتتمكن الجامعات في النهاية من التوفيق بين وظيفتها الرئيستين:

- الوظيفة البحثية

- ووظيفة تلبية حاجات سوق العمل

•• ولا خوف من أن تؤدي عملية الفصل هذه من اتساع الفجوة بينهما، لاسيما في ظل وجود المجلس الاقتصادي والتنمية والمجلس السياسي والأمني برئاسة سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان لضمان أعلى مستويات التنسيق بين الوزارتين.. وبين غيرهما من الجهات التي تخضع لأدق الموازين في متابعة عمل وأداء أجهزة الدولة بصورة فائقة وملموسة.

•• أما القطاع الآخر المهم.. بل الأكثر حيوية - من وجهة نظري - فإنه القطاع الصحي.

•• وما فعلته وتفعله الدولة لهذا القطاع كبير وكثير.. لكن وضعه العام بحاجة إلى إصلاح كبير.. وجذري.. وعميق.. وإلى دعم كبير.. ومفتوح.. وغير محدود لسنوات عدة.. بهدف الرقي به.. ورفع كفاءته.. وتوفير الأسرة الكافية لاستقبال المرضى المحتاجين.. وخلق وعي جديد وشامل في المجتمع لتقبل فكرة التوسع في المراكز الصحية على مستوى المملكة لتخفيف الضغط الواقع على المستشفيات.. وزيادة معدل مساهمة القطاع في هذه الخدمة بمزيد من الدعم والتشجيع له.. وإقرار نظام التأمين الصحي والأخذ به في أقرب وقت ممكن.. واستيعاب آلاف الخريجين السعوديين في مرافقه المختلفة، وتوسيع فرص منح البورد السعودي لخريجات وخريجي الجامعات السعودية، ووضع آليات سليمة لسياسات الإحلال مع عدم التخلي عن الخبرات الخارجية المتميزة.

•• يضاف إلى كل ذلك إيجاد صيغة عملية لتحقيق تعاون أكبر بين خدمات وزارة الصحة ووزارة الدفاع ووزارة الحرس الوطني والمستشفيات التخصصية للانتفاع بإمكاناتها جميعاً على مستوى الوطن..

•• بالإضافة إلى إعادة النظر في الكادر الوظيفي للعاملين بالقطاع الصحي وبما يرتقي إلى مستوى الأهداف العليا لاستيعاب الكفاءات الوطنية وإغرائها بالعمل فيه.. ومعالجة أوضاع البدلات والمزايا بصورة جذرية..

•• والأهم من هذا رفع كفاءة المستشفيات التشغيلية والإدارية والفنية وتحويلها إلى مصحات قادرة على رفع مستوى الصحة العامة في البلاد.

•• كل ذلك يمكن أن يتواكب مع توجه الدولة نحو خصخصة هذا القطاع مع ضمان ارتفاع مستوى الجودة ومنع الاستغلال وتردي خدمات هذا القطاع في بعض مؤسساته ومستشفياته في الوقت الراهن..

•• بالإضافة إلى تطوير كفاءة الهلال الأحمر السعودي المحدودة.. من حيث المهارة.. أو الإمكانات.. أو السرعة في الاستجابة وفي التعامل مع الحالات بما تستوجبه في المكان والزمان المناسبين.

•• ولا شك أن وزراء الصحة المتعاقبين قد بذلوا جهوداً كبيرة لإصلاح هذا القطاع.. لكن الأمر يتجاوز الأفراد إلى ضرورة وجود إستراتيجية بعيدة المدى لهذا القطاع لا يكون فيها مجال للاجتهادات الفردية، على أن تتوفر له الموارد الكافية وتؤمن كافة التجهيزات والاحتياجات على أعلى المواصفات ومن خلال هيكلة إدارية وفنية خبيرة وعالية المستوى لا تتغير بتغير الوزراء..

•• ويمكن تحويل بعض المهام أو الخدمات إلى وزارات أو قطاعات أخرى.. أو مؤسسات وشركات أهلية لتكون الوزارة بمثابة الجهة المخططة والرقيب والحسيب على الأداء العام، وضمان أعلى مستويات الكفاءة لخدمات القطاع، على أن يتم تأهيل كل من يعمل في إدارة القطاع الصحي.. إنْ على المستوى الإداري.. أو الفني.. والطبي.. بصورة مستمرة.

•• وفي هذا الصدد.. فإن علينا أن نقف على أوضاع الكثير من الكليات الطبية الأهلية الحالية أو التي نفكر في إحداثها لكي نضمن أعلى المستويات في مخرجاتها حتى لا تشكل عبئاً مستقبلياً جديداً علينا.. وقبل أن تتحول إلى دكاكين صغيرة.. تقدم لنا مخرجات هزيلة..

•• إن الحديث عن القطاع الصحي وإن احتاج الخوض فيه إلى متخصصين مؤهلين، إلا أنه ورغم كل ما أنفق عليه بحاجة إلى هذه المراجعة.. وقد تسفر هذه المراجعة عن إعادة ربط بعض مهامه.. أو وظائفه بوزارات أخرى.. مثل وزارة التنمية الاجتماعية أو غيرها.. ما دام أن هناك جهة مركزية عليا تقوم بمهمة التخطيط والرقابة والمتابعة والتقويم لأعمال جميع الوزارات دون استثناء..

•• وهذه القراءة وإن جسدت بعض الأماني والتطلعات إلا أنها تتفهم مدى الجهد الكبير الذي تبذله الدولة ويقدمه المسؤولون على رأس أجهزتها.. وهي تأتي في إطار التطلعات لما هو أجمل في عام جديد يشرق علينا مع صباح هذا اليوم.. «ومع ولادة عام جديد مليء بالأمل» والعمل.. ومزيد من الإخلاص من الجميع.. لأن هذا الوطن جدير بأن نقدم له أرواحنا.. وخلاصة عقولنا في كل الأوقات.

سورية واليمن ولبنان والعراق إلى أين؟

•• ذلك على المستوى المحلي..

•• أما على المستوى السياسي.. فإن الوضع في سورية واليمن ولبنان والعراق وليبيا.. لن يشهد تغييرات جذرية كبيرة في ظل التعقيدات الراهنة نتيجة لاستمرار التحالف الروسي/‏‏‏ الإيراني/‏‏‏ التركي وطريقة التعاطي مع موضوع انسحاب إيران وحزب الله من سورية.. الذي تطالب به أمريكا.. ولا تريد موسكو أن تذهب إليه دون ثمن واضح تحصل عليه من الأمريكان وغيرهم، وإن لم يكن لديهم مانع من خروج الآخرين من سورية مع الاتفاق على ترتيبات معينة بينهم وبين واشنطن لتوزع الأدوار بما لا يفقدهم الدور الرئيسي في سورية وخارجها.

•• وقد تشهد زيارة «بوتين» المرتقبة للمملكة بحثاً مستفيضاً لهذه الأمور في إطار الحرص السعودي على إعادة الاستقرار للمنطقة وضرورة التوافق في الآراء بيننا وبين الروس والأمريكان حول عودة السلام إلى سورية وتهيئة الأوضاع في الإقليم.. وإن قاوم الإيرانيون ذلك.

•• وعلى مستوى الوضع في لبنان فإن رفض الرئيس اللبناني للصيغة المقدمة من رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري لتشكيل الوزارة كما تواتر في الأنباء يشير إلى أن الوضع سيظل متأزماً ولفترة قد تطول وقد تؤدي إلى تغييرات دراماتيكية غير متوقع التنبؤ بها.. وسط مخاوف الجميع على لبنان ومستقبله السياسي.. الذي يتطلب حسماً يحول دون مزيد من التدهور الاقتصادي والأمني.

•• وليس بعيداً عن وضع سورية ولبنان الوضع في العراق بعد الخلافات العميقة بين الكتلتين الكبيرتين (كتلة البناء والإصلاح) بزعامة مقتدى الصدر، و(كتلة الفتح/‏‏‏ وشركائها) بزعامة هادي العامري، وذلك لإصرارهما على منهجيتهما في التفكير وفي طريقة إدارة شؤون العراق..

•• وكما هو معروف فإن الصدر ومؤيديه يريدون الاتجاه بالعراق بعيداً عن المحاصصة الطائفية في تشكيل الوزارة واختيار كل من رئيس البرلمان ونوابه ورئيس الوزراء ورئيس الدولة، فيما ينحو العامري نحو ربط العراق عضوياً بقاطرة إيران.. وهو ما يرفضه الآخرون ويقفون ضده.. ولا يستطيع أحد أن يراهن على من سيفوز في النهاية.. وإن كانت هناك رغبة شعبية في النأي بالبلاد عن أي تحالفات خارجية على حساب استقلال العراق وسيادته الوطنية وهويته العربية.

•• وما حدث في «البصرة».. وما يحدث لتعطيل اجتماع مجلس النواب بتغييب الأغلبية بتحريض من تكتل العامري وأتباعه يُعطي الانطباع بأن الأوضاع في العراق قد تتجه الى حرب أهلية إذا لم يتوصل الفرقاء إلى تفاهمات ضرورية لإبعاد البلاد عن المصير المجهول النتائج.

•• أما بالنسبة للوضع الليبي فإن أي تسوية لا تتوصل إلى صيغة جديدة للحكم يشارك فيها خليفة حفتر بفعالية وتتضافر فيها الجهود للقضاء على القوى والخلايا والأطراف الإرهابية التي هربت من العراق وسورية بعد تصفية «داعش» لتستفيد من الوضع المضطرب هناك وتحول البلاد إلى وضع مقلق وغير آمن، فإن ليبيا ستعيش حالة حرب داخلية شديدة التوتر إلى أجل غير معلوم.. وعلى الدول المحيطة بليبيا وبالذات فرنسا وإيطاليا وتونس أن تعمل معاً بالتعاون مع الأمم المتحدة لإنهاء هذه الحالة قبل توسيع دوائرها إلى ما هو أخطر.

•• والأخطر من كل ذلك.. هو الوضع في اليمن.. لأنه ما لم تتوصل أمريكا وروسيا إلى اتفاق تدعمه الأمم المتحدة لإخراج إيران من سورية مع حزب الله.. فإن «الحوثيين» سوف يستمرون في الحصول على الدعم المفتوح لهم من إيران التي تراهن عليهم لإحداث تغييرات جذرية في شبه الجزيرة العربية وتغيير الموازين في المنطقة والتهديد بتعريض الملاحة في باب المندب ومضيق هرمز، وسوف تُطيل بذلك أمد الحرب.

•• وما لم تكن هناك إرادة دولية تشارك فيها الصين الشعبية لتنفيذ البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة وتعمل على تنفيذ القرار (2216) وتصحيح الوضع هناك بالكامل، ما لم يحدث هذا، فإن المشكلة ستظل قائمة وعملية الاستنزاف مستمرة.. ولن تشهد المنطقة بكاملها أي مستوى من الاستقرار.

•• وما حدث في جنيف أخيراً نتيجة إبطال الحوثيين للاجتماع المقرر هناك بعدم حضورهم يؤكد أنهم مستمرون في المماطلة وإفشال دور ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن كما أفشلوا سابقيه.

•• ولا أتخيل أن السيد (غريفيث) يستطيع تحقيق تقدم بارز معهم، الأمر الذي يتوقع معه احتدام المعارك على كل الجبهات انتظاراً للحل السياسي الذي لم يعد ممكناً ما لم يعالج وضع إيران في المنطقة ككل - كما قلت في السابق..

•• وهذا يعني أن عام 1440هـ وربما كل عام 2019 بما فيه بقية الأشهر القادمة من عام 2018. لن يشهد تطورات بارزة على الساحة السياسية لقضايا المنطقة الساخنة إذا ما ظلت الأمور تعالج بنفس الطرق والأساليب الحالية وهي طرق تقليدية.. تحكمها مصالح وحسابات الكبار.