-A +A
محمد مفتي
لعل أصعب المواقف التي يواجهها أي إنسان عندما يبادر بمعالجة قضية ما، هو الخلط المتعمد بين أوراق القضية بهدف تغيير الحقائق ومزج الحق بالباطل، ولأن غالبية الأحداث السياسية يصعب معالجتها على نحو محايد، فإن أي سياسي أو معني بالأمر لا يعاني من صعوبة شرح عدالة قضية بلاده فحسب، بل يعاني من صعوبة محاولات فك طلاسم التحريف المتعمد لسياسة دولته، والتي تحرص جهات معينة على تحويلها من عمل خيِّر وإنساني لكل ما هو عكس ذلك تماماً.

ولعل أقرب مثال لذلك هو تلك الحملة الأممية الشرسة التي تدور مؤخراً داخل أروقة هذه المنظمة الدولية ضد قوات التحالف الهادفة لإعادة الشرعية لليمن، تلك الشرعية المنتهكة من جماعات الحوثي الموالية لطهران، ولعل ما تناوله العديد من زملائي بالصحف السعودية حول هذا الموضوع ما هو إلا محاولات حثيثة لنزع الألغام الفكرية وكشف المغالطات الجسيمة التي تورطت فيها هذه المنظمة والتي يفترض فيها الحيادية والموضوعية.


بنظرة موجزة وسريعة لطبيعة دور هذه المنظمة الأممية، سنجد أن دورها تاريخي في اكتشاف الحقائق محدود تماماً، فهي غير قادرة على اختراق مناطق النزاع بموظفيها المدنيين، وبالتالي فهي لا تحصل على تقاريرها من خلال متابعة ميدانية دقيقة، بل تستقيها من خلال تصريحات جماعات مسلحة غير محايدة تمنحها معلومات خاطئة ومنحازة، كما أنها تكون عرضة لضغوط تلك الجماعات المتورطة في النزاع والمتاجرة بدماء البشر، ومن ناحية أخرى أثبتت فشلها في حل أي نزاع إقليمي على مدار تاريخها ومنذ إنشائها.

نحن على يقين من أن منظمة الأمم المتحدة لو مارست دورها المفترض منها في فرض العدالة وعدم التمييز بين الدول لأصبح العالم أكثر أماناً بكثير مما هو عليه الآن، فالأمم المتحدة لا تبالي باستتباب الأمن بين الدول المتصارعة بالفعل بقدر ما تبالي بإصدار قرارات روتينية باهتة وغالباً ما تصدر بعد فوات الأوان، ودونما تقييم محايد أو حتى صائب للقوى المتصارعة وتحديد الجاني من المجني عليه، وأكبر مثال على ذلك عدم إدانة الأمم المتحدة لتدخل إيران في اليمن وسوريا ولبنان، واكتفائها بإدانة قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن، وهو الأمر الذي يطرح الكثير من علامات الاستفهام.

لماذا تتجاهل الأمم المتحدة الأسباب وتدين النتائج؟ من هنا فإنه ليس بوسعنا إلا أن نذكِّرها بأن المملكة ليست من دعاة الحرب، ولا تسعى -ولم تسع يوماً- للتوسع في اليمن (ولا في أي دولة أخرى)، وهى لم تتدخل في اليمن إلا بدعوة رسمية من رئيسها الشرعي المنتخب، لإنقاذه من تخريب وإرهاب جماعات الحوثي المجرمة، كما أنها طوال تاريخها وخلال كافة أزمات اليمن كانت الداعم الأول والأساسي للشعب اليمني، سواء من خلال مراكز إغاثتها أو دعمها المالي والمادي والعيني له، ولطالما كانت ولا تزال أكبر مساهم في عمليات إعادة بناء اليمن، وآخرها ترميم البنى التحتية والمرافق التي دمرتها آلة الحرب الحوثية، والتي لا تتوقف عن نهب تلك المساعدات والاستئثار بها ومنعها عن بقية المواطنين اليمنيين.

يؤسفنا بالفعل أن تنحاز تقارير الأمم المتحدة للجاني وتتغاضى عن جرائمه، بقدر أسفنا لعدم تقديرها لدور قوات التحالف الهادفة لإعادة الشرعية والاستقرار لليمن، ولكن يكفينا أن يذكر لنا التاريخ مساعينا ليس فقط لدرء الخطر عن حدودنا، بل لحماية الشعب اليمني الذي تجمعنا به عرى وثيقة وتاريخ طويل من حسن الجوار، مما يحتم علينا أن نقف بجواره في محنته وقت دعوته لنا، ويكفينا أن تضيف المنظمة الأممية لسجل إخفاقاتها في حل النزاعات بين الدول سقطة جديدة من سقطاتها المتعمدة، متجاهلة دورها المفترض في إبراز الحقائق كما ينبغي.

* كاتب سعودي

mohammed@dr-mufti.com