-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
مع انطلاق العام الدراسي أتمنى لو نتوقف قليلا في قراءة هادفة بشأن حاجتنا إلى التخصصات العلمية على ضوء متغيرات سوق العمل، التي باتت تحدد مصير الخريجين، وقد سبق أن أعلنت وزارة العمل عن عدة تخصصات تطبيقية مطلوبة، بعكس الأخرى النظرية التي تشكو قلة الوظائف إذا استثنينا التربوية منها، فكان الحل في برامج التدريب والتوظيف لتحقيق خطط التوطين لقطاعات عديدة، وبالفعل يتم استيعاب المزيد في سوق العمل، مما يسهم في تخطيط أفضل لتحقيق الاستثمار الأمثل للموارد البشرية على ضوء أهداف رؤية 2030، من خلال ربط مخرجات التعليم بسوق العمل ومؤشراته المستقبلية التي تركز على التخصصات الطبية والصيدلانية والهندسية والصناعية والحاسب، وهي القطاعات العملية الأكثر احتياجا للمتخصصين.

واقع الحال يقول إن بعض مجالات العمل وبفعل التطور العلمي والتقني، صارت شديدة التخصص في مجالات كالطب والتمريض والمهن الفنية الصحية وحتى في المختبرات ظهرت مجالات أكثر تخصصا، أيضا قطاعات الصناعة والإنشاءات على سبيل المثال تشهد تخصصات هندسية مستجدة لمواكبة الجديد، وعلوم الإدارة والصيانة والتسويق وغير ذلك كثير، فالتغيرات في سوق العمل متسارعة وليست كما كانت في الماضي، ولذلك لا بد من رصد تحولات سوق العمل وبوصلتها، وتعزيز التوافق بين مخرجات التعليم وسوق العمل لتحقيق الاستجابة والاستفادة الأسرع من القوى البشرية الوطنية.


في المقابل إذا كان سوق العمل يفرض تخصصات عملية بعينها، فماذا عن التخصصات النظرية وخريجي العلوم الإنسانية وما يرتبط بذلك من منظومة كلياتها والتخصصات التي لم تعد مطلوبة وبات من الصعب على مخرجاتها إيجاد موطئ قدم لها في سوق العمل الواسع بالقطاع الخاص وحتى الحكومي، مما يستوجب ترشيد هذه التخصصات، لكن ليس شطبها كفكرة إقصائية، فهذا يستحيل في أي مجتمع وأسباب ذلك عديدة، أولها أن العلوم الإنسانية تظل مطلوبة لكن وفق الحاجة لمجالات عملها، كما أنها قد تتوافق مع ميول وقدرات الدارسين لها رغبة منهم أو اضطرارا وبالتالي لا بد من تنظيم نسبة أقسامها لاستيعاب خريجيها من الجنسين.

فالعلوم الإنسانية لا يمكن لأي مجتمع الاستغناء عنها حتى وإن ظن البعض ذلك، وإلا سيفقد المجتمع علوما لها دورها في ترتيب وترطيب حياة المجتمع المادية، لأنها تهتم بالإنسان وبتطور المجتمعات وتحولاتها وما قد تتعرض له من مخاطر، خاصة في عصر العولمة المعلوماتية التي تستهدف الفكر وقد تغسل أدمغة وتفسخ الروابط، ولهذا فإن التخصصات الإنسانية لا غنى عنها حتى في المجتمعات ذات التقدم الصناعي والتقني، حيث نجد بها صروحا علمية بالجامعات والمراكز التي تبحث في التغيرات الاجتماعية، وحروب الجيل الخامس التي يشهدها العالم وتكاد تعيد أجواء الحرب الباردة تعتمد على قراءة المجتمعات وكيفية استهدافها من الداخل.

من هنا تكمن أهمية التخصصات النظرية وتطوير مضمونها لتغذية المجتمع بضوابط القيم الإيجابية ومواجهة السلبية منها، ولا ننسى دراسة القانون وأهمية تخصصاته إن كان في القانون الدولي أو الإنساني أو الجنائي وصولا إلى القانون التجاري الذي أصبح ضرورة في هذا العصر.

خلاصة ذلك أن التوازن بين التخصصات التطبيقية والأخرى النظرية أمر ضروري من خلال التخطيط للمخرجات، ليسهم كل منها في دفع التنمية الاقتصادية وفي نفس الوقت الحفاظ على قيم الحياة وسمات المجتمع المتآلف الواعي.

* كاتب سعودي