-A +A
منى العتيبي
يقول فرانكلين دي روزفلت: (الشيء الوحيد الذي علينا أن نخافه هو الخوف نفسه)؛ فالخوف يصنع لنا مبرراته وعواقبه يحول بها بيننا وبين ما نصبو إليه من تحقيق الأحلام وبلوغ الأهداف.

اليوم وبعد عاصفة من السنين والشهور والأيام والساعات تبددت كل مخاوف المجتمع «الوهميّة» عند انطلاق أول سيارة تتصدرها امرأة وعند أول مقعد تسيدته امرأة على مسارح السينما والأغنيات وعند أول باب لمؤسسة حكومية عملية فتحت بابها امرأة، هكذا هو الخوف من المجهول يضخم فينا الوهم حتى ينمو معنا كحقيقة مطلقة مشكلا نتيجة حتمية من تصورنا دون تجربة واقعية.


دعونا نستدعِ بعضا من المشاهد المرصودة قبل قيادة المرأة وخروجها للمسارح والملاعب والتي صنعها الخوف وعبث عمرا بها فينا حتى صوّر لنا وهما بأن الهاوية هي المصير وأن الدمار الأخلاقي سيعم العباد والبلاد؛ قبل قيادة المرأة السعودية للسيّارة، جاء الخوف من التحرش يقابله مشهد استقبال رجال المرور للنساء السائقات بالورد، كما حضرت مشاهد خروج أولياء الأمور مع بناتهن وزوجاتهن وخروج النساء بطريقة نظامية ومسؤولة مقابل مشهد الخوف من احتمالية انفلات المرأة من أسرتها ودمار الكيان الأسري كناتج.

الخوف هو العدو الأول للحياة الطيّبة، كما يقول لوك فيري، وهو العدو الأول للحكمة، وهو المسبب الرئيسي لأن يغدو الناس حبيسين بين الماضي والمستقبل لا يقبلون التغيير ويقضمون أظافر التردد والارتباك وتبدو خطواتهم عرجاء بين طريق المستقبل وخط الرجعة للماضي، وهذا يعني أن الخوف مخالف للعقلانية وعدو العقل والتفكير.

نحن الآن نقف على مشاوير التحدي الحضاري النهضوي الذي تراهن عليه رؤية المملكة ٢٠٣٠ وتستوجب منّا أن نطرد «الخوف» بعيدا حتى نحقق الرؤية بشكلها المطلوب كما تتطلب منّا التغيير الجذري كنهضة بعد نهضة، تطلب منّا الخروج من دهاليز الخوف وحصار الوهم من ضياع القيم التي لن تضيع أصلا طالما بُنيت بيوتنا على القيم الدينية والتربوية المتينة، لذلك لا مبرر للخوف؛ لأنه وقع على أمور وحقوق وجودها بديهي وشرعي في الحياة، فأوروبا عندما خرجت من عصور ظلامها إلى نورها لم يكن السبب الجوهري هو الإيمان بالغيبيات أو الدين، كما يردد بعض الكتّاب والمفكرين، إنما كان الخوف، الخوف من المجهول، من نتيجة التغيير، من ما بعد الخوف، وعندما فعلتها أوروبا وتقدمت خطوة واحدة فقط عن الخوف حدث ما حدث من تطور ونهضة تبع بعضها البعض حتى سادت أوروبا بالصناعة والاقتصاد والابتكارات والاختراعات. وهذا ما تطلبه منا مبادئ الرؤية لنصل إلى أهدافها، فلو تأملنا أهدافها لوجدناها ليست فوق الحلم ولا معلقة على حبل الأمل المستحيل أو الطويل الأمد، بل في متناول اليد، حيث إنها في إطارها العام تصبو إلى بناء الإنسان والمكان، الإنسان السعودي الذي لا أحد يزايد عليه الآن ولا إلى ما وصل إليه من ثقافة وفكر ومقدرة مهنية تصنع الفرق في المكان البيئة الصحراوية الشاسعة التي تحولت مع الزمان إلى أرصفة خضراء وأبراج شاهقة ومبان من الأسمنت فقط، ينقصه الخروج من أصوات الخوف والإيمان بعدم وجود المصائر الحتمية مع الوهم ولا يترك للخوف فرصة أخرى لسرقة عمره قبل حلمه كما فعل فيمن سبقوه فقد دفعوا أعمارهم وأحلامهم مقابل الخوف اللا عقلاني.

* كاتبة سعودية

fanarm_7@