-A +A
نجيب يماني
انتهى حج هذا العام بنجاح تام مع مرتبة الشرف الأولى، وما من حاج إلا وكان البِشر يطفح من ثناياه تسبقه كلمات الشكر والتقدير للقائمين على أمر الوطن وخدمة ضيوفه والقيام بواجبهم وهم يأتون من كل فج عميق. منذ دخول المؤسس مكة المكرمة في العام 1343هـ، وقد جمع شتات الوطن ورمم بنيانه وعظم من شأنه متعهداً حماية حجاج بيت الله الحرام متحملاً مسؤولية أمنهم عندما كانت الأوضاع غير مستقرة والأمن غير مستتب، مؤكداً أمام العالم الإسلامي أنه يرحب ويبتهج بقدوم وفود حجاج بيت الله وأنه رحمه الله يتكفل بتأمين راحتهم والمحافظة على جميع حقوقهم ويسهل سفرهم إلى مكة المكرمة، ومن يومها وهذه القيادة الرشيدة تبذل الغالي والنفيس لراحة حجاج بيت الله الحرام وزواره وكأنهم تعاهدوا على ذلك، رغم أن بعض الجهات المغرضة ما فتئت تستهدف هذه الجهود بالتشكيك، وتحاول تسييس الحج لأغراض مشبوهة تتصل بمواقفها المخزية، وأجنداتها المضروبة.. مما جعلنا أمام تحديات كبيرة تتضاعف مع الأيام، وتكفي المنصف نظرة عابرة على ما أنجز من مشاريع عملاقة ليدرك حجم الجهد المبذول والمقدر لراحة قاصدي بيت الله الحرام، وأصبحنا في كل موسم أمام تحديات أخرى تتصل بكنس الزيف والشائعات المغرضة التي تنتاش من جهود المملكة العظيمة، وتحاول جاهدة أن تطمس كل هذه الجهود بالافتراءات الكاذبة وبادعاءات أقل ما توصف بها أنها تصدر عن نفوس مريضة، مملوءة بالحقد، نفوس كالقبور بيضاء من الخارج وداخلها عظام نخرة، ولعل القرضاوي وأمثاله مثال واقع لأحد هذه القبور.

لقد كان موسم الحج هذا العام يختلف عن غيره من المواسم، فحجم التحديات كان كبيراً، والافتراءات توسعت أبوابها، وتشعبت نوافذها، فحكومة قطر لا تستجيب لكل التسهيلات لوصول رعاياها إلى الأراضي المقدسة في سهولة ويسر، ولم يقف الحد عند عدم الاستجابة؛ بل امتد إلى تجييش الآلات الإعلامية المأجورة لتصوير قطر بمظهر الدولة المظلومة، والمحروم شعبها من تأدية ركن من أركان الإسلام، وتعليق وزر ذلك على المملكة، وبلغ هذا الشطط والافتراء مداه بتنظيم مؤتمر لمجموعة محددة بالمملكة المتحدة، وإصدار بيان ملفق وادعاءات باطلة وكاذبة، تكشف حجم التسييس الذي تقوم به هذه الدولة لشعيرة الحج. فبركوا صورة وادعوا أنها للقيادي سمير جعجع وزوجته أمام الكعبة، وأن المملكة منحت 300 تأشيرة حج لمسيحيي لبنان وغيره من سقط الكلام الذي نسبوه لهذا الوطن البياض لتأتي الحقائق متتالية تنزع من هذه الحكايا سحرها وتأثيرها لتسقط صرعى تحت قدمي الحقيقة الناصعة. أكاذيب تكشفها حقائق من الجهات المختصة لدحض كل الكذب والتدليس، فوزارة الإعلام أطلقت الهوية الجديدة للحج والموقع الإلكتروني لأخباره الرسمية، والغاية من ذلك تقديم الصورة المثلى للدور الإسلامي الذي تقوم به المملكة. كما استضافت مدينة جدة الآلاف من المحترفين ومطوري البرامج وأنظمة التشغيل من قبل الاتحاد السعودي للأمن السيبراني من أجل إثراء وتحسين أداء هذه الفريضة الدينية شكلاً وموضوعاً من ناحية الصحة والمرور والإقامة وإدارة الحشود ونوعية الطعام وطريقة الأداء وإيجاد أفضل الطرق من أجل حج آمن وتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن، إضافة إلى تدشين وزارة الحج منصة (ضيف) لخدمة تنقلات ضيوف الرحمن والتي تعد أكبر منصة في العالم لتتبع حافلات الحجاج بالتعاون مع وادي مكة للتقنية، وغيرها من برامج السقيا والإطعام وترجمة خطبة عرفة واستعداد موانئ ومطارات المملكة لاستقبال وفود الرحمن بكل أمن واطمئنان، توج كل هذه الجهود إنشاء هيئة ملكية لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة برئاسة ولي العهد الأمير محمد الخير لتعكس مدى حرص القيادة على تطوير هذه المقدسات وتقديم أفضل الخدمات لقاصديها.


إن كل التصرفات الصبيانية التي تقوم بها دولة قطر ومن يحذو حذوها من الإخونج والمرتزقة، لا تزيدنا إلا تصميما وعزما على المضي قدما في تذليل الصعاب وتطويع الجغرافيا وتقديم أفضل وأرقى الخدمات لحجاج بيت الله الحرام، وسيظل وطننا الغالي يقدم الغالي والنفيس لأجل هذه الغاية العظيمة، ويكفينا فخرا أنه في كل موسم تضاف منظومة جديدة من الخدمات التي تجد الإشادة والثناء من المنصفين، ومن يقدرون صنيع الرجال، وجهد الدولة التي اختارها الله لخدمة بيته، وها هو مشروع «طريق مكة» الذي سعى لتسهيل كافة الإجراءات أمام الحجاج القادمين من البر والبحر والجو، بحيث لا تستغرق إجراءات دخولهم إلى الأراضي السعودية سوى دقائق معدودة، في يسر وسهولة ونظام ودقة عالية، مستقبلين بالابتسامة والبشاشة والورود، ومحفوفين بالمحبة والتقدير، ومحاطين بالكرم والعناية، حتى يؤدوا مناسكهم على الوجه الذي يرضي رب العزة والجلال، ويعودوا إلى ديارهم حاملين أطيب الذكرى، لاهجين بالثناء والدعاء للمملكة حكومة وشعبا وأرضا، وهذا ما تناقلته كل الوكالات العالمية، وتبقى هذه الشعيرة خالدة على مر الزمان ويبقى من نذر نفسه لخدمتها والقيام على توفير راحة ضيوفها وأمنهم وأمانهم رمزاً خالداً في قلوب كل المحبين والمخلصين، مكة والمدينة جوهرتان يسكن القلب فيهما.

* كاتب سعودي