-A +A
طارق فدعق
«رولز رويس» هي من أقدم وأكبر الشركات الهندسية في العالم. بدأت هذه الشركة الإنجليزية نشاطها في عالم المحركات عام 1906 وفي عالم الطيران في 1914. وصنعت بعضاً من أفضل أنظمة الدفع في العالم وخصوصا خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، وفي مطلع عصر المحركات النفاثة بنهاية الأربعينات الميلادية. وخلال فترة السبعينات والثمانينات كانت عماد محركات أسطول طائرات الخطوط الجوية العربية السعودية من «ترايستار» و«بوينج 747». وجرت العادة أن تطلق الشركة أسماء الأنهار البريطانية على محركاتها النفاثة مثل «إيفون»، و«تاي»، و«سباي»، و«كونواي». واليوم ستجد أن أقوى وأشهر محركاتها هي من جيل «ترنت» على اسم أشهر نهر في وسط إنجلترا. ويستخدم في دفع أكبر طائرة في عالم الطيران التجاري وهي الإيرباص 380. وإحدى أغرب القصص لهذا المحرك من طراز «ترنت 900» هي كالتالي: في صباح 4 نوفمبر 2010 أقلعت رحلة شركة «كوانتاس» الأسترالية من مطار «تشانجي» في سنغافورة إلى مطار سيدني في أستراليا وعلى متنها 467 شخصاً من ركاب وطاقم الطائرة. وكانت من طائرات الإيرباص 380 المذكورة أعلاه. وبعد الإقلاع بحوالى خمس دقائق انفجر أحد محركاتها وتطايرت بعض من أجزائه، فخرقت أجزاء من الجناح وعطلت مجموعة كبيرة من الأنظمة الكهربائية والهيدروليكية. عادت الطائرة فوراً الى أجواء سنغافورة استعدادا للهبوط الاضطراري. وبعد فترة تحليق دامت نحو ساعة، ومحاولات من الطاقم لاحتواء الحالة الحرجة الخطيرة لوضع الطائرة، لطف الله بهم وهبطت الطائرة العملاقة بصعوبة بالغة. وعندما توقفت على أرض المدرج، ظهرت مجموعة مشكلات ومنها تسرب الوقود بكميات كبيرة من ثقوب في جناحها الأيسر، وارتفاع درجات حرارة أسطوانات المكابح إلى ما يفوق التسعمئة درجة مئوية، وهي تفوق أقصى درجة حرارة شعلة «الدافور». وظهرت مشكلة عجيبة وهي أن أحد المحركات على الجانب الأيسر استمر في العمل ولم يستطع الطاقم إقفاله. أصيب المحرك بحالة «زرجنة» فقاوم جميع محاولات إقفاله: بدأت فرق الإنقاذ الأرضية برش كميات هائلة من الماء لإغراق المحرك وإقفاله دون أي نتيجة. واستمر العمل على ذلك نحو ثلاث ساعات إلى أن لجأت الفرق إلى رش المحرك بكميات هائلة من الرغوة المكافحة للحريق. أتخيل أن خلال تلك الفترة العصيبة كان الكثير منهم يصرخون بداخلهم لذلك المحرك بما يرادف كلمة «أهجد» بمعنى اهدأ وتوقف عن العمل.

ونجد تطبيق كلمة «اهجد» في أغرب الأماكن ومنها في عالم الكيمياء، والعناصر المشعة بشكل خاص. وتلك العناصر تتميز بحالة طاقة «مفلوتة»، فإحدى أهم خصائصها المشتركة هي أن نواة الذرة التي تكون كل منها لا تطيق حالتها. وعلى سبيل المثال، فإن عنصر «اليورانيوم» يعاني من حالة تجدها لدى العديد من البشر، فهو لا يطيق حالته المشبعة. نواة كل من ذراته مشحونة بكمية من المكونات النووية التي تجعله يريد أن يخرج عن طوره، ولذا فهو يشع الطاقة طوال الوقت. وهذه من الخصائص التي تجعله من المصادر الأساسية للطاقة النووية في السلم والحرب.


أمنيــــة

سبحان الله أن سلوكيات بعض الناس مثل محرك الرولز رويس ترنت 900، وعنصر اليورانيوم المذكورين أعلاه. يصعب عليهم التوقف بعد انتهاء المواضيع، ويستمرون في مضايقة الناس وأنفسهم لفترة لا تتناسب مع الحدث. ولا يعترفون بمبدأ «اهجد». وللانفلات الأخلاقي، والسياسي، والمالي، والهندسي، والكيميائي أصوله طبعاً، وهو موضوع إحدى المقالات القادمة بمشيئة الله. أتمنى أن يكفينا الله شروره.

وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي