-A +A
علي بن محمد الرباعي
كما أن سلعة الله (الجنّة) غالية، كذلك سلعة الدنيا (المراجل) مكلفة وشاقة، وعاشق المراجل عُرضة للنيل منه بالذم والتنقص وحتى بالمواجهة أحياناً، والمتنبي العظيم يرى «أن الجودَ يُفقرُ والإقدامُ قتالُ»، ويقول للسذج ممن لا يدركون حجم معاناته «ماذا لقيتُ من الدنيا وأهونه، أني بما أنا شاك منه محسودُ» والحسد من الخصال الذميمة، ويرى البعض أنها أول معصية عُصي الله بها، إذ حسد الشيطان أبانا آدم عليه السلام على ما بوأه الله من مكانة.

لو استضاف أحدنا عشرة أشخاص لمدة ثلاث ساعات في منزله، لدخل في توتر، وقلق، ومعاناة، مخافة أن يحسب عليه أي تقصير أو ملاحظة، بدءًا من سعة المكان وليس انتهاء بجودة ما يقدم من طعام وشراب وتوابعها. وما ظنكم بمن يدعو مئات في حفل زفاف، أو مناسبة عامة، فهو فوق ما يتكبد مادياً، يعاني معنوياً ونفسياً، حتى تكتب له الجميلة، ويكثّرالمدعوون بالخير ويغادرون.


لم يكن الحج للمملكة جمع مغانم، وإن حصد بعض المطوفين مكاسب موسمية متواضعة نظيرالخدمات من سكن ونقل وتفويج، إلا أن السعوديين قيادة وشعباً لم يضعوا الربح المادي في اعتبارهم عند استضافة الحاج، كونه عملاً مباركاً ومقدساً نتقرب به إلى الله، ولَم تَحُل المملكة يوماً بين قاصد بيت الله الحرام وبين أدائه النسك بيسر وإتقان حتى أولئك الذين أرادوا فيه بإلحاد بظلم.

تبذل الدولة السعودية منذ عقود ومع مطلع كل عام مليارات الريالات لتطوير وتوسيع وتهيئة المشاعر عبر هيئات ومعاهد متخصصة وفرق عمل يقوم عليها رجال يعلمون أن ما عند الله خير وأبقى، وتتحول المملكة طيلة أشهر الحج إلى مشاعر جيّاشة بالغبطة، فكل مواطن سعودي يستشعر أنه جزء من منظومة خدمة الحجيج في حين تلهج ألسن بالدعاء الصالح للدولة وقيادتها ورجال أمنها على هذا العطاء غير الممنون.

المكسب الحقيقي للمملكة يتمثلُ في امتنان الحجاج وبذلهم الأدعية أن يحفظ الله بلادنا، وما دعاء أكثر من مليوني حاج للمملكة في يوم لا يرد فيه الدعاء إلا أكثر ما يثير حفيظة الحساد، ويغيظ قلوبهم، وسنستمر في عطائنا حتى وإن كنّا على الحج لم نسلم من الحسد.