-A +A
بشرى فيصل السباعي
كثيرا ما يقال إن المعضلة الكبرى في وضع الإسلام والمسلمين هو أن الغرب لا يعرف الإسلام الحقيقي البعيد عن التطرف والإرهاب، وأنا أرى أن المعضلة الأكبر في وضع الإسلام والمسلمين هو أن كثيرا من المسلمين بمن فيهم المتدينون والمتشددون لا يعرفون الإسلام الحقيقي؛ فهم يعرفون النسخة المقولبة من الإسلام بقالب أهواء ناقلها وليس الإسلام الحقيقي كما كان بحياة النبي ونصوص الإسلام الأصلية، وأبرز مثال هو: أن ما ساد الخطاب الإسلامي منذ قرن هو التحذير من الحب والتحريض على البغضاء ليس فقط ضد الأبرياء من غير المسلمين إنما حتى ضد المسلمين وحتى من ذات المذهب، لأنهم لا يحملون ذات التوجهات المقولبة، بينما لا يعرف كثيرون أن النبي لم يحذر من الحب إنما حذر من البغضاء، وقال إنها تزيل دين صاحبها بالكامل، فقال بالصحيح: «دبَّ إليكم داءُ الأُممِ قبلكم الحسدُ، والبغضاءُ هي الحالقةُ، لا أقول تحلِقُ الشَّعرَ ولكن تحلِقُ الدِّين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنَّةَ حتى تُؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أفلا أُنبِّئُكم بما يُثْبِتُ ذلك لكم؛ أَفشوا السلامَ بينكم». والمقصود ليس السلام فقط التحية إنما سجية المسالمة والخلو من العنف والعدوانية المادية والمعنوية، والنجاة هي بـ(إلا من أتى الله بقلب سليم). وأما عن الحب فقال في الترغيب بالحب والدعوة إليه مقولة لم يقلها في أي عبادة ولا عمل صالح؛ فقال بالصحيح: «يا أيها الناسُ اسمعوا، واعقِلوا، واعلموا أنَّ لله عبادًا ليسوا بأنبياءَ ولا شهداءَ، يغبِطهم النَّبيّونَ والشُّهداءُ على منازلِهم وقُربهم من اللهِ، فجثَا رجل من الأعرابِ.. فقال: ناس من الناسِ ليسوا بأنبياءَ ولا شهداءَ يغبِطهم الأنبياءُ والشهداءُ على مجالسِهم وقُربهم من اللهِ! انعَتْهم -صِفْهم- لنا، فقال رسول الله: هم ناسٌ من أفناءِ الناسِ ونوازعِ القبائلِ، لم تَصِلْ بينهم أرحامٌ مُتقاربةٌ»، وفي رواية؛ ولا أموالٍ يتعاطَوْنَها «تحابُّوا في اللهِ وتصافَوا، يضع اللهُ لهم يومَ القيامةِ منابرَ من نورٍ فيجلِسون عليها، فيجعل وجوهَهم نورا، وثيابَهم نورا، يفزع الناسُ يومَ القيامة ولا يفزِعون، وهم أولياءُ اللهِ لا خوف عليهم ولا هم يحزَنون.. وقرأ هذه الآيةَ: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)». وقال: «المُتَحابُّونَ في اللهِ في ظِلِّ العرشِ يومَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، يَغْبِطُهُمْ بِمَكَانِهِمْ النبيُّونَ والشُّهَدَاءُ». كم من المسلمين يعرفون أحاديث مكانة الحب وأهله؟ وكم من الدعاة يدعون للحب؟ أتمنى استثمار الحج لنشر رسالة الحب والمثاليات بنشر نصوصها باللافتات في المشاعر.

* كاتبة سعودية